148

Chemins et Méthodes

سبل ومناهج

Genres

وإذا ركبت الترام فإنك ترى فتيانا يتسابقون إلى الحافلات الحافلة بالحسان، حتى إذا بدت لهم جميلة أكلوها بعيونهم، والسعيد السعيد من سبق إلى القعود حدها أو كاد، حتى إذا ما أذنت بالذهاب راح كل منهم يبتهر بوقاحته ويفاخر بقلة هيبته ممثلا دور كازانوفا، فتخرج من بينهم وصفرة الخجل تكسو وجهها الأرجواني ثوبا زعفرانيا، هذا ما كان في الأمس، أما اليوم فإنا نراها تدعوهم إلى جوارها، إن لم يكن بلسانها ويدها فبعينيها ...

فعلينا أن نهذب بنينا صغارا ليحسنوا السلوك كبارا، علينا أن نقبح في عيونهم هذه الصور السمجة ونذكر أصحابها بالتنديد واللوم، ولكن من أين لتلك المبادئ أن ترسخ في الأذهان ما دام الصغار يقتدون بالكبار، يسمعونهم يعتدون برذائلهم بلا خجل ولا حياء ذاكرين على مسامعهم ما تجاوزوا به حدود الأدب، كأنهم نسوا الكلمة المأثورة: وإذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا؟

لقد أصاب من إذا أراد ذم أحد ذما يجرده عن المروءة قال في نعته: «فلان بلا حياء.» فلنقن حياءنا فهو التخم الفاصل بين مملكة الإنسان ومملكة الحيوان.

أما قليلو الحياء فأنواع: منهم الأدعر المنحط الأخلاق، ومع ذلك تراه يغشى نوادي المهذبين ويعد نفسه في طليعتهم، وينسى أنهم غير ناسين أنه كان وما يزال يتمرغ في أوحال المعرة، ومن حق من كان مثله أن يرمى في مزابل البشرية؛ لأن للبشرية مزابل دونها المزابل الحقيقية نتانة، تلك يتقى شرها بالمطهرات، أما هذا فهو مزبلة نقالة لا يقي من بعوضه وبرغشه فونيك ولا مازوت ولا د. د. ت ...!

ومنهم ذاك المتبجح بالشرف والأمانة وسامعه يعلم أنه أحط خلق الله وأقلهم شرفا؛ لأنه لا يرأف بعرض ولا يعف عن عرض، فهو لا يكف يده عن طعام ولو وقع عليه ألف ذباب.

ومنهم ذاك اللص الذي يمشي على الأرض مرحا ويبتهر على مسمع الملأ أنه يجيد الاختلاس، وأنه في هذا الفن أمهر من مشى عليها، ينزع الدبس عن الطحينة كما يقولون، وما عليك إلا أن تعد أصابعك إذا فرغت من مصافحته فربما يكون قد اختلس إحداها أو بعضها ولم تدر، وإذا ذكرت أمامه رجلا فاضلا مط شفته وغمز بإحدى عينيه وافترت أسنانه عن ابتسامة رقطاء، وقال لك بلا حياء: مسكين! حمار بأربع أذنين، هل تطعمه أمانته خبزا إذا جاع؟ وهل يلبسه صدقه ثوبا إذا عري؟

إن هذا الضفدع الهرم لا يهجس إلا بلجج مستنقعات الدناءة، ولا يعيش إلا فيها، يزعم أن أيدي جميع الناس ممدودة مثل يده، وأنهم لا يهمهم إلا أن تكون لهم ثروات طائلة.

ومنهم من يقول لك ولا يستحي: إن وظيفتي محدودة المعاش وليس فيها «براني» ولا ضرب كم؛ ولذلك لا أزال كما دخلت ليس في كيسي قرش، بل لا كيس لي ... فما قصرني عن طلوع الجرد إلا الحفا، فمتى يرزقني الله مداسا لأجاري زملائي في هذا المجال، فليس فيهم من يعف عما تصل إليه يده؟

على هذا كان موظفو دويلات العصر العباسي، وقد عجز الخلفاء عن تقويم اعوجاجهم فلا تصفية الأموال أجدت ولا حبسهم ردع، فاللصوصية مرض نفساني لا يحد من نشاطه القصاص. حكي أن لصا شهيرا عجزت محكمة لندن عن إيقافه عند حده، فكان يسجن سنوات، ولا يطلق سراحه حتى يغير على بيوت المال، وأخيرا أصدر القاضي بحقه حكما غريبا، كانت جريمته خلع باب وكسر صندوق واختلاس ألوف الليرات، وكان العمل يوم الأحد ممنوعا في إنكلترة، وبما أن هذا اللص اقترف جريمته هذه في ذلك النهار قضى عليه القاضي برد ما سلب والحبس أربعا وعشرين ساعة عقاب من يتعاطى مهنته في ذلك النهار.

يقال إن هذا الحكم كان رادعا للص لم يمت ضميره كل الموت، أما الذين شيعوا الحياء إلى غير لقاء فإنهم يضحكون في عبهم إذا حكموا مثل هذا الحكم اللاذع.

Page inconnue