هذا مذهبي
التكوين الوطني
أعيادكم بغضتها نفسي
أذنان ولسان واحد
الابتسامة رأس مال
الفقر سلم المجد
الدين إيمان وعمل
اتكل على نفسك
كمال العلم بالحلم
سير العظام تخلق العظائم
Page inconnue
نحو عالم أفضل
الحظ أعمى
العام الجديد
عداوة المهنة
بين الأذن والفم
مشاهدات
نماذج شتى
أكلة لحوم البشر
الصبر مفتاح الفرج
مختصر مفيد
Page inconnue
المطالعة غذاء الموهبة
حارب على جبهة واحدة
إلى كل امرأة
طيش الأمهات
أشبعوه على الأقل
مأوى عجزة
محل الامتحانات الرسمية
بواريد فاضية
المستقبل لا يرتجل
الدواء في الثكنة
Page inconnue
كنيسة العلم والثقافة
فتش عن ذاتك
الأدب الحق
التدقيق
الأخلاق ضمان جماعي
الرجل ابن البيت والبيئة
بلا عنوان
البكالوريا بين المعلم والطالب
متى تستوي الطبخة؟
إذا هبت رياحك فاغتنمها
Page inconnue
موسم الرحمة
كن لطيفا
أتكون آلة تدار؟
إن المجد مبتدر
شعرة من شواربك
أزمة التربية والتعليم
وجوه بلا ماوية
ما أحلى أيام المدرسة!
عمودا البيت
الشباب التائه
Page inconnue
ارع الجار ولو جار
العفو حبيب الله
كتم السر فلاح
إلى جندي
الميلاد
إلى رجل الغد
أفقره عقله
ضلال الآباء والأبناء
هذا أوان الشد
هذا مذهبي
Page inconnue
التكوين الوطني
أعيادكم بغضتها نفسي
أذنان ولسان واحد
الابتسامة رأس مال
الفقر سلم المجد
الدين إيمان وعمل
اتكل على نفسك
كمال العلم بالحلم
سير العظام تخلق العظائم
نحو عالم أفضل
Page inconnue
الحظ أعمى
العام الجديد
عداوة المهنة
بين الأذن والفم
مشاهدات
نماذج شتى
أكلة لحوم البشر
الصبر مفتاح الفرج
مختصر مفيد
المطالعة غذاء الموهبة
Page inconnue
حارب على جبهة واحدة
إلى كل امرأة
طيش الأمهات
أشبعوه على الأقل
مأوى عجزة
محل الامتحانات الرسمية
بواريد فاضية
المستقبل لا يرتجل
الدواء في الثكنة
كنيسة العلم والثقافة
Page inconnue
فتش عن ذاتك
الأدب الحق
التدقيق
الأخلاق ضمان جماعي
الرجل ابن البيت والبيئة
بلا عنوان
البكالوريا بين المعلم والطالب
متى تستوي الطبخة؟
إذا هبت رياحك فاغتنمها
موسم الرحمة
Page inconnue
كن لطيفا
أتكون آلة تدار؟
إن المجد مبتدر
شعرة من شواربك
أزمة التربية والتعليم
وجوه بلا ماوية
ما أحلى أيام المدرسة!
عمودا البيت
الشباب التائه
ارع الجار ولو جار
Page inconnue
العفو حبيب الله
كتم السر فلاح
إلى جندي
الميلاد
إلى رجل الغد
أفقره عقله
ضلال الآباء والأبناء
هذا أوان الشد
سبل ومناهج
سبل ومناهج
Page inconnue
تأليف
مارون عبود
هذا مذهبي
مذهبي في الحياة أن لا مذهب لي فيها؛ فكل أعمالي خبص في خبص، ما أريده لا أفعله، والشيء الذي لا أريده إياه أصنع. أحسبني كرة في يد لاعب جبار يقذفها في الفضاء، فلا هو ولا هي تدري أنى تتوجه، وأين يكون مستقرها! فالحياة في نظري لعبة تتلهى بها قوة سرمدية أزلية تخرج منها أنماطا لا تدرك، ولا يزال في قرارتها غرائب وعجائب لا نهاية لها، كلما تزاوجت أنسلت أقزاما وعماليق، وكلما انفعل الكائن الأزلي تفجرت قواه اللامتناهية، وانبثق إلى الوجود ما يحير كل موجود.
في مذهبي أن الدماغ البشري هو المستودع النائمة فيه - إلى حين - أسرار الطبيعة، وقد عاينته، يبرزها إلى الوجود واحدا واحدا في سبعين عاما، فما كان مستحيلا أمسى ممكنا.
لا أتمثل الحياة إلا مدرسة لا نهاية لدروسها، خريجها يتوارى في الظلمة قبل أن يرى النور الذي ينتظر، ومع ذلك أراني أومن بالحياة إيمانا عميقا لا قرار له، وأحبها محبة كلية ولكنها بدون رجاء.
أومن بالإنسان، ابنها الوحيد، الخالق الأعظم المنبثق من الأرض والسماء، فهو جرم أرضي سماوي في وقت معا. إني أرى الأرض مصدر كل خير وبركة، ومع ذلك يكفر بها الناس، وينكرون فضلها عليهم، ويفتشون عن سعادتهم في غيرها، أما أنا فمذهبي في الحياة هو مذهب طرفة القائل:
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي
فدعني أبادرها بما ملكت يدي
لا أومن إلا بأني سوف أموت، ولا يعنيني كل ما يقال عني بعد ذلك.
Page inconnue
مذهب غيري: القناعة غنى. أما أنا فشعاري الطمع في هذه الحياة، وأرى القناعة من طباع البهائم. أنا في محبة الدنيا على دين معاوية؛ أود لو تكون في يدي بيضة نمبرشت فأحسوها كما هي دفعة واحدة.
مذهبي في الحياة أن أعمل دائما، وهمي أن أسبق من قبلي وأعجز من بعدي، ولكن يا ليت!
أكره القمر ولا أفرح بولادته؛ لأنه بشير زوال، وأنا لا أريد أن أزول قريبا. وأحب الشمس لأنها رمز الديمومة.
أتعد هذا فلسفة؟ أنا لا فلسفة لي في الحياة ولا أومن بالفلسفة، وأعتقد أنني حجر في مقلاع الجبار العنيد، فتارة يضربني وآونة يضرب بي، فخير ما أعمل هو أن أعمل بلا انقطاع؛ لأجد اللذة فيما أعمل لا فيما أفكر.
لي في حياتي مذاهب تتغير وتتقلب مع الأنوار والظلمات، ومع الحر والبرد، وفي العسر واليسر، ولكن الشيء الذي لا يتغير هو الانصراف إلى العمل الذي ينسيني جميع شئوني وشجوني.
فكل أمنيتي ألا أذيب شخصيتي في مستنقعات الآخرين، وأن أظل منسجما مع ذاتي، وأن أبقى ساذجا لا تكلف ولا تعقيد في حياتي، وألا أتخلى عن شيء من بساطة أورثنيها المربي، فأكره شيء إلي التقليد.
لا تسلني عن مذهبي في حياتي؛ لأني لا أعرف ذلك المذهب لأحدثك عنه؛ فكل ما أعرف أنني بدلت أثوابا كثيرة، ولم يبق لي ثوب لأقول هذا يعجبني، فأمري ليس في يدي.
فكل ما أعرفه هو أنني نشأت نشأة زميتة في كنف رجل يرى الضحك جريمة، فكان يهز لي العصا كلما خف وقاري فأعود إلى الترصن، وكان صباي وشبابي رصانة لا قيمة لها؛ لأنها مصطنعة وضد طبعي، فأضعت ذاتي زمنا طويلا ولم أعثر عليها إلا في ظهر العمر، وصرت أخيرا كما يقول أبو نواس: «وشيبي بحمد الله غير وقار.»
أرأيت أنني كلما قلت لك مسير لا مخير؟ كثيرا ما أحاول أن أعدي عن الهزل، ثم لا أجدني إلا انبريت له، فكأني أو كأن الحياة تريد أن تعوض علي ما حرمته في صباي وفتوتي.
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
Page inconnue
فمفترق جاران دارهما العمر
يظهر أن هذا الضحك نافعي، يجب أن نضحك كثيرا حتى نقابل جهومة الشيخوخة العتيدة، ونرعبها فترتد على أعقابها وتختفي علاماتها من أمام أعيننا.
ومذهبي الأخير - أقول الأخير الآن، فربما كان لي غدا مذهب غير هذا - هو أن أستهزئ بالموت. وإني لأعجب كيف يخاف الموت من لا يرى أمامه حقيقة ثابتة غيره! نعلم أننا ميتون، وإذا حصل الموت قمنا وقعدنا وتفجعنا كأنما قد حل بنا أمر غير منتظر ولا مقدر، فمن لي بمن يضحك ويقهقه يوم أتوارى؛ لتقر بذلك عيني وتطيب نفسي، كممثل هزلي يسدل عليه الستار بين تصفيق النظارة وعربدتهم الضاحكة؟ وهل الحياة غير رواية هزلية؟!
لا أتمنى على جسدي إلا أن يظل خادما أمينا لما خلق له، وإلا ينذرني قبل أن يخذلني، وإن كان لا بد من عمر طويل فأرضى أن أعيش ما ظللت قادرا على العمل ... ولو كنت واثقا من أنني أطالع وأكتب في دنياي الجديدة، لما طلبت المزيد من حياتي هذه، ولكنني أخشى أن يصح ما يقولون وأمسي وأصبح في جنة لا عمل فيها، من هذا خوفي لا من الموت.
يشغل بال البشرية تطويل العمر، أما أنا فأرى أن محاولة هذا التطويل تحول دون التمادي في العمل، والذي يستريح ليطيل عمره يكون قد قصره من حيث لا يدري؛ فالعمر الذي لا يملؤه العمل هو عمر أجوف كالقصبة. ولعل لي رأيا يخالف رأي غيري، فأنا لا أشغل نفسي بإصلاح ما بعد عني إلا بعدما أصلح ما قرب مني وأبدأ بنفسي؛ ولذلك أحاول دائما أن أنمي رأسمالي الأدبي لعلمي الأكيد أن ما يبنيه الاتفاق يهدمه الاستحقاق.
وأخيرا لست أدري إذا كنت أعربت عن مذهبي، ولكن من أين لي المذهب وأنا - كما قلت - تلك الكرة التي تتقاذفها يد القدر؟ ما قالت الناس عبثا «نحن في التقدير والله في التدبير.»
فليدبر ما شاء، وإذا حالت مشيئته دون مرامي فما في ذلك كبير شأن، ما زلنا نقول إنه ضابط الكل، ووسع كرسيه السموات والأرض.
التكوين الوطني
الأوطان كالأديان كلاهما محتاج إلى مؤمنين، ومؤمن واحد يتعالى إيمانه إلى منزلة اليقين لهو في محيطه كالشهاب الثاقب في الليلة اليتيمة، تنداح حوله دائرة إشعاع بسام تتغامز فيها النجوم الصغيرة وترتجف شفاهها من الشوق، إن كوكبا واحدا دريا يدحر ظلمة الليل، وكم في الوطن من ظلمات لا بد من تمزيقها!
العقائد، دينية ووطنية واجتماعية، تحتاج إلى مناضلين، والحياة تتمشى فيها كتمشيها في الأحياء والأشياء، تارة تسير ببطء وطورا بهجوم مفاجئ تبعا لأطوارها. والمؤمنون بالأوطان كالكريويات في الجسم، لا تدع العراك ولا تهدأ، وكما ينمو الجسم بما يتقد فيه من حرارة متفاعلة، كذلك تنمو الأوطان كلما تعاظمت حرارة الإيمان بها.
Page inconnue
إن أول نقطة دم يراق لأجل دين أو عقيدة تستحيل زاوية عظمى في هيكلها الخالد، فنقطة دم من مؤمن بوطنه توطد بنيان ذلك الوطن فتصيره أمنع من الباطون المسلح، وهي أعظم دفاعا عنه من الطائرات والغواصات والدبابات والقنابل من ذرية وغير ذرية، فالحق للإيمان لا للقوة.
فما حيلة الأوطان إذن في خلق المؤمنين؟ إن الإيمان الأسمى لا يعلم كيف يجيء ولا كيف يذهب، أما الإيمان الوطني فطبيعي من البشر، يولد المرء ويولد معه حب الحرية. تأمل الطفل كيف ينازع الأقمطة، ثم كم يقع ويقوم في سبيل الانطلاق، ولا يفتأ يجاهد حتى يدرك غاية مشبوبة في كيانه، لا يطل من باب قفصه على دنياه الصغرى حتى ينشأ العراك بينه وبين أمه، يريد أن يسرح ويمرح في وطنه الأصغر وتأبى الأم عليه ذلك، فيظل يناضل لأجل حريته الأولى حتى يدركها.
ليس الوطن إلا بيت الإنسان الكبير، وكما يأبى الإنسان أن تمس قدسية بيته الصغير كذلك يبذل نفسه بسخاء ليصون بيته الأكبر، وعن حب الرجل مسقط رأسه نشأ حب الاستقلال في وطنه مهما صغر، فلا تقل لوطني مؤمن: وما هو وطنك يا هذا؟ إن استخفافك بوطنه كاستخفافك بذاته، وقد يسكت عن هذا الأمر ولا يسكت عن ذاك.
إن وطننا محتاج إلى مؤمنين، إلى أنصار ومجاهدين. وإن قلت لي: لا تتشاءم، أجبك: صدقت كلنا مؤمنون، ولكن الأوطان كالأديان تحتاج إلى تعاليم، فأين تكون هذه التعاليم يا صاحبي؟ في المساجد والهياكل يناجي المؤمن ربه، ويتذاكر مع إخوانه تعاليم دينه، فما هذا الذي نسميه صلاة إلا صلة بين المؤمن وربه، فأين هي إذن هياكل الوطن؟
هي المدارس يا صاحبي، سمعت وتسمع بمدرسة تحت السنديانة، هي مثل يضرب للاستخفاف، ولكني أؤكد لك أن لمدرسة تحت السنديانة أكبر أثر في نفس المواطن اللبناني، وإن أنكر ذلك أحدنا فدمه يصرخ مكذبا إياه، وضميره يبكته لأنه عق هواء نقيا ملأ رئتيه، ووحيا من طورها هبط عليه؛ فالمدرسة إذن مهما صغرت هي هيكل الوطن المقدس، وبخاصة في عهدنا الحاضر، العهد الذي صهرنا جميعا في بوتقة ليجعل من كل واحد منا مواطنا عامرا قلبه بالإيمان.
قال بسمرك: غلبنا فرنسا بمعلم المدرسة. فلننهض إذن، ولنعلم أن المدرسة هي المعمل الذي يصنع فيه المؤمنون بهذا الوطن، المدرسة هي التي تكون لنا رجالا من طراز الشاعر القائل:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
لسنا نطالب أولياء الأمر أن يقولوا للمدارس والمعلمين كونوا فيكونوا، فلا بد لهذا من وقت، ولكن تفتح العيون على المدارس لتتطور وتماشي الوطن الناشئ فرض واجب.
إن وزارة التربية دعامة كيان الوطن؛ فمنهج موفق يدرب للبلاد جيشا معنويا يتجسد كلمة حين تدعو الحاجة إليه. ولكن مقدمة «المنهاج اللبناني» العتيد لا تنطبق على ما فيه من ثرثرة ... فرب كلمة في كتاب تفتك في عقول أبنائنا فتك مكروب الأمراض السارية!
Page inconnue
إن المناهج حقول اختبار ومغارس، منها تنقل الغرسات السليمة المنيعة إلى حديقة الوطن الكبرى، فلا يليق أن تظل بورا، لا يليق بوطن فتي أن يظل أبناؤه يتيهون في قفار بسابس كالطلول الدوارس. التعليم في كل أمة وسيلة للتربية القومية، وغاية التربية صقل الغرائز الموروثة، لا خلق أخلاق جديدة. ليس التعليم دهانا وطلاء إنما هو تثقيف ثم صقل، كما يفعل النجار بالخشب الشريف، فلننجر إذن غير الشوح لهذا الوطن الجديد. الطلاء يزول أما العرق الأصيل فلا يمحي ولا يعفو كالطلول.
فأي هدف يصيب من يعلم تلميذه باب التمييز قائلا له: عندي رطل زيتا؟! هذا مثل وضعه النحاة الأولون حين كانوا يكتبون على ضوء مصباح راهب امرئ القيس، فلماذا نردده نحن على من في بيوتهم قناطير زيت؟ أنعلم التلميذ التمييز ونكون بلا تمييز؟!
السيارات احتلت مملكة الدواب واستعمرتها فقبعت الجحاش واجمة، والمعلم ما زال يصيح بالمحبوسين في قفص صفه: قام القوم إلا حمارا! لقد بعد عهد الحمير بالشعير فكيف تقوم يا مولانا؟! لماذا لا تقول: هب الناس إلى الدفاع عن الوطن إلا الجبناء، أو غير الجبناء؟ اختر أنت المستثنى المناسب، فتكون علمت تلميذك وجعلت منه مواطنا شجاعا.
ألم يبلغك بعد قول جون ديوي فيلسوف التربية الأمريكي: «العلم وسيلة لا غاية»؟ فبماذا تتوسل يا زميلي؟ وإلى أية غاية تسعى؟ أنظل نتلهى بعقول بنينا وننقرها ونحشوها كأنها الكوسى والباذنجان؟!
يقول علماء التربية: التلميذ فرن يحمى لا وعاء يملأ. ومع ذلك نرى المعلم يحشو أبدا كأنه يعلف خروفا ... يجلس على منبره مقلص الوجه لا تبين له سن ولو وضعت بين فكيه مخل أرخميدوس، أمجنون هو حتى يبتسم؟! ومن يضمن له هيبته ووقاره إذا ضحك؟!
وجد ليكون رفيقا ومرشدا فصار ناطور ورشة وخفير أسرى حكم عليهم بالأشغال الشاقة وليس لهم أن يقفوا، إن عطس تلميذ عطسة رنانة طار صوابه، وعد ذلك تحديا لهيبته وأبهته، وإن تنحنح أو سعل امتعض على كرسي مجده! فلماذا كل هذا؟ ومن أية الطرق أتته هذه الطباع؟!
مسكين المعلم! حمله ثقيل، عليه أن يبلغ المحج ويؤدي الحساب على البيدر، فالنتائج التي يتوقعها الآباء والمدارس يلحس كرباجها ظهره كلما وقف، فعليه أن يحصل على أكبر عدد ممكن من الشهادات ليربت على ظهره وينام على الثقة مطمئنا. أما التربية والرجولة والتفكير فليست في حساب أحد، قضى الزمن الماضي أن تكون من الأمور التافهة، أما اليوم وقد صرنا بالغين راشدين فعلينا أن نعد للوطن رجالا، وهذا يكون بإعداد المعلمين أولا والمدارس ثانيا والتلاميذ ثالثا. نحن بحاجة إلى فتية يتهيئون منذ اليوم للنهوض بالأعباء الثقيلة التي ستلقى على ظهرهم، إننا نعلم كثيرا ونربي قليلا، فعناية ليس فيها كبير عناء تمكننا من إصابة عصفورين بحجر واحد، إنني لأستطيع القول إن تعليمنا الحاضر ليس بضاعة تنفق في بندر الحياة؛ فهذا الطالب النجيب الحائز علامة جيد جدا في البكالوريا لو كلف عملا آخر غير ما لقن في الصف تأهبا للامتحان، تخاذل وتلعثم. فلو علمته مدرسته ما ينفعه في حلبة الرغيف لكانت نصف مصيبة، ولكنه لا مواطنا صار ولا خبزا أكل، فأساليبنا المتبعة لا رجالا تخلق ولا علماء توجد، نسلمهم للحرب الحديثة بنادق الفتيل والصوان في عهد القذائف والمتراليوز!
قال غوستاف لوبون: إن انتخاب طرائق التربية أولى باهتمام الأمة من انتخاب شكل الحكومة. فلنسرع إذن، فالاستقلال أمانة بين أيدينا ولا يحافظ عليه إلا بخلق مؤمنين به، وهؤلاء لا توجدهم إلا مدارس مخلصة، مدارس مؤمنة بوطنها، ومعلمون مؤمنون بأنهم معلمون، وبأنهم مواطنون، أساتذة يعلمون أنهم يدربون رجل الوطن العتيد، وأن من عندهم وحدهم يخرج قواد الرأي العام.
إن المدارس هي عرق الوطن الحساس، ومنها تتصاعد الصرخات الأولى: نريد الاستقلال، ليحي الاستقلال.
قد يتهم التلاميذ من لا يوافقه هتافهم أنهم يفعلون ذلك تخلصا من دروسهم، أما أنا الذي عجنتهم وخبزتهم فأقول: لا وألف لا، يهتاج الطلاب فتقول: على العلم السلام، حتى إذا هدأت العاصفة خلت أنه لم يكن شيء مما كان.
Page inconnue
ليس الإنسان مكنة ملفوفة بجلد، ولكنه مسرح تتحرك عليه أجمل العواطف وأسماها. إن العاطفة دنيا في فكر، وأشوق الأفكار لاقتبال العواطف هي أفكار الفتيان، هؤلاء هم القوارير التي يجب الرفق بها، وهي مستودع الحرية والاستقلال.
أعيادكم بغضتها نفسي
أشعيا، 1 : 14
ترى لو عاد السيد المسيح وتمشى في شوارع مدننا ليلة الاحتفال بعيد ميلاده، ماذا كان يقول؟
ماذا كان يقول حين يرى الديوك الحبشية والبلدية ترقص رقصة الألم، وتغني في القدور أغاني التهليل للمولود الذي حمل إلى الأرض السلام وإلى الناس المسرة؟
ما عساه أن يقول حين يرى علب الملبس والشوكولا تحمل أكياسا إلى الدور والقصور، وأما الأكواخ فتودع شقاء لتستقبل بلاء؛ من قبضة الفاقة إلى مخالب المرض إلى براثن الموت؟
ما عرف يسوع غير بيوت الضعفاء والفقراء، أليس هو القائل: «للثعالب أوجار، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له مكان يسند إليه رأسه»؟
عاش السيد على الفريك في الحقل، فما عساه يقول حين يملأ خياشيمه القتار ويرى سلال الحلوى تتصادم في الشوارع، وهو حين اشتهى قلبه الحلو راح يفتش عنه في تلك التينة التي لعنها فيبست حالا ...؟
ترى لو تنكر السيد وجاء القصور التي تشاد باسمه، فمن يفتح له «الخوخة» ليدخل باحاتها؟ لست أشك أبدا في أنه مهما قرع لا يفتح له، وإذا قال لهم كما قال لتلاميذه في ذلك الزمان: «أنا هو.» صرخوا في وجهه: «لا يا سيد، أما حذرتنا في إنجيلك قائلا: «كثيرون يأتونكم باسمي فلا تصدقوهم»؟ اذهب، اذهب.»
وإذا رد عليهم بقوله: «أنا جوعان فأطعموني، وعطشان فاسقوني.» أجابوه قائلين: «مثلك لا يجوع ولا يعطش، أما صمت أربعين يوما ...؟ لا تحاول خداعنا فما أنت هو.»
Page inconnue
أجل، لقد صار عيد الميلاد عيد قصف ولهو، وعيد خمر وزمر وقمر، عيد الخمور المعتقة والديوك المسمنة، بل عيد التخم والبشم. حسبك أن تعلم أننا في يوم هذا العيد كنا نفطر مرتين؛ مرة بعد قداس نصف الليل، ومرة في موعد «الترويقة». ولست أنسى قول أحد أساتذتنا وهو من الآباء الأجلاء: ليت لنا في كل رأس شهر عيد ميلاد! وقد نسي - رحمه الله - ما قاله مار بولس في الذين هم مثله: إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم.
وإذا وقف يسوع أمام مغارة من تلك المغارات التي تزدان بمئات الشموع والدمى والأكياس، ألا يتأسف حين يرى عناكب التقاليد تغطي ذلك المحيا الإلهي الإنساني الذي ملأ الدنيا رحمة ومحبة؟
ولو صادف يسوع في هذه الجولة من يسمونه «بابا نويل» فكم كرباجا كان يأكل قفاه؟ وأي نتف تنتف تلك اللحية الطويلة العريضة؟ لا شك في أنه ينتزع ذلك الخرج عن كتفيه ويدوس هداياه بقدميه ...
أجراس ترن، ونواقيس تطن، وأجواق ترنم وتهلل: المجد لله في العلا، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر.
أي رجاء يا سيد، فالذين يصلون يوم عيد ميلادك هاتفين: هللويا آمين ... يفكرون بقنبلة تهلك إخوتك الفقراء المساكين؛ ليرثوا وحدهم الأرض التي دست كنزها بحذائك؟!
جئت يا سيد مبشرا بملكوت الله كارزا بمملكة الروح، فأين هي تلك الأشياء التي بشرت بها وكرزت؟! آه، ما أفقر الكون إلى درهم من علاجك الروحي ! إن ذكرى ميلادك لا تعظم إلا باتباع تعاليمك، وإذا لم نولد ثانية كما قلت لنيقوديموس فعبثا نكرم ميلادك ونمجدك أيها الذي قال: «ليس من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات.»
ليس تكريم الميلاد بأن نعمل شجرة اصطناعية، بينا شجرة أعمالنا يابسة تسمع لأوراقها حفيف الحصاد الذي يتوق إلى المنجل.
إنك لم تدع إلا إلى الرحمة: «أريد رحمة لا ذبيحة.» هكذا قلت، أما هم فيريدون ذبيحة يكون لهم منها حصة الأسد لا رحمة تنكبهم بفلس.
إن هذه الاحتفالات الزائفة لا تنقع غلة ولا تشبع كبدا، إنها لا تسقي البؤساء - إخوة يسوع الصغار - كأس ماء باردة.
قال يسوع: «اصنعوا هذا لذكري.» وكأنه يريد أن تتمالح البشرية جمعاء في تذكاره، لا أن يأكل الأغنياء حتى يبشموا والفقراء حفاة عراة ليس لهم أطمار يسترون بها عوراتهم، اللهم سترك وعفوك عمن يعيدون هكذا!
Page inconnue
قال صاحب هذا العيد: «حبوا أعداءكم، وإذا أحببتم من يحبكم فأي فضل لكم؟» أما السواد الأعظم من البشر فلا يحبون إلا ذواتهم، وليس للغير أقل حساب في دفترهم اليومي.
كان الإخوة - الرسل - في ذلك الزمان يتقاسمون الرغيف، أما اليوم فيتنازعون عليه ويتناتشونه مع أنهم أتباع ذلك الذي قال: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.» وقد يزهقون روحا في سبيل قرش، ولو من قروش هذا الزمان، ومع ذلك يعيدون بكل عين بلقاء، محتفلين بذكرى من قال: «لا تعبدوا ربين الله والمال.» فإذا شئنا أن نعيد الميلاد كما يجب أن يعيد، فعلينا أولا أن نطهر قلوبنا لنكون أتباع من قال: «يا بني، أعطني قلبك.» وعلينا أن نعمل حسنا لنستحق من قال: «إن من لا يعمل إرادة أبي فهو لا يستحقني.»
فعلى من يلون الأحكام أن يعدلوا؛ لأن من يحتفون بميلاده كان عادلا رحيما.
وعلى الرعية التي تحتفي بميلاد يسوع أن تحب الجار والقريب، بل الأعداء؛ لأنه هكذا علم.
وعلى المعلم منا ألا ينسى أن يسوع خوطب ب «يا معلم»، فلنحاول الاستيلاء على بعض الأمد الأخلاقي الأمثل لنتقرب من زميلنا المعلم الإلهي.
وإذا كنت يا أخي فلاحا فاحرث الأرض جيدا، وتذكر أن يسوع أحب الزهر والثمر والزرع والشجر، فكن مزهرا مثمرا لئلا تستحق اللعنة التي أنزلها على التينة.
وإذا كنت تاجرا أو عاملا، فانشد الربح الحلال والأجر المكتسب بعرق الجبين. تذكر أن صاحب العيد حث على العمل المنتج فرحب بصاحب الوزنات العشر الذي ربح ضعفها بالمتاجرة، وطرد العبد الكسلان إلى الظلمة البرانية.
عفوا! نسينا السيدات وهن المقدمات في هذا العصر، ليس الاحتفال بالميلاد هو أن تتزيني بالجواهر وتلبسي أثمن الثياب، ولكن الاحتفاء بالميلاد هو أن تقدمي لصاحب العيد ذرية صالحة من البنين والبنات، ولا تنسي أن يسوع الذي تصلين له قارعة صدرك قد قال: «دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم.»
وأما قادة العالم اليوم فأحسن احتفال بذكرى السيد الذي يعظمون يكون في أن يضعوا تحت قدميه قنابلهم الذرية قائلين له: قل يا سيد ماذا نصنع؟
وإذ ذاك يجلجل صوت في الأعالي ويهتف بهم: «ملعون كل من يهدم هيكلا بشريا بغير حق، طوبى للرحماء فإنهم يرحمون! لا تقاوموا الشر بالشر، ومن طلب ثوبك فاترك له رداءك.»
Page inconnue