أما طرق الأستاذ التعليمية فدونك نموذجا منها، وقد يكون هذا هو الذي حببه إلى سيادة المنسنيور: - أتعرفون يا أولادي لماذا نصبت «إن» الاسم ورفعت الخبر بعكس الأفعال الناقصة؟
فتطاولت أعناقنا إليه فتنحنح وقال: «هذي إن أشبهت الأفعال في الوضع وقصرت عنها في الفعل، فأعطاها النحاة عمل الفعل مقلوبا!»
فضحكت وقلت: «قصاصا لها.» فقال: «وقصاصا لك تكتب مائة سطر من باب «إن وأخواتها» في ابن عقيل، ما أطول لسانك!»
هذا ما كان أقصى هم معلمينا في التعليم، ولولا ضيق المقام لسردت كثيرا من نوادرهم.
فعسى أن يكون لنا مدارس تعلم لتربي وتخلق للوطن رجالا، وعسى أن توطد أسس المدارس على صخرة منهاج موحد، تسهر على تنفيذه الدولة التي تريد أن تبني بيتها طبقا لخريطة عصرية حديثة.
وجوه بلا ماوية
شقاء هي الحياة وعراك مستمر، العواصف في حرب عوان، والشهوات في اضطراب وهياج.
الحياة ألغاز لا تحل، ومعميات قصرت عن إدراكها الحكماء، آمال تذبل وتموت، فلا يبتسم لنا فجر الرجاء حتى يعبس مساء اليأس، ولا نصافح الأمنية حتى تنفض الخيبة المرة من يدها، وأحيانا المنية.
مضى عصر المضارب والخيام التي تقتلعها العواصف، كانوا ينحتون الجبال بيوتا فصاروا يرفعون من الحديد والأسمنت ناطحات سحاب مفروشة أرضها بالمرمر مزينة حيطانها بأروع التصاوير الفنية، ومع ذلك ما زال الإنسان يتأوه ويتوجع ويتطلب المزيد من المال، ولا يجد سعادته إلا فيه كما قال بخيل الجاحظ: «سلم إلي المال وادعني بأي اسم شئت، المال زاهر نافع، مكرم لأهله معز، والحمد ريح وسخرية.»
كان الإنسان في طور بداوته ندي الوجه تؤذيه ألطف نسمة تهب على أنانيته واحترامه لذاته، يأبى كل ما يؤذي ويشين شرفه ومروءته، فيبتعد كل البعد عن كل ما ينكره الشرف، وكانوا في ذلك الزمان يقولون: «الصيت الجيد خير من المال المجموع.» أما في عصرنا هذا فأمسى الدرهم هو الدستور المكرم، و«المشير المفخم» على حد تعبير فرمانات سلاطين بني عثمان.
Page inconnue