مذهب غيري: القناعة غنى. أما أنا فشعاري الطمع في هذه الحياة، وأرى القناعة من طباع البهائم. أنا في محبة الدنيا على دين معاوية؛ أود لو تكون في يدي بيضة نمبرشت فأحسوها كما هي دفعة واحدة.
مذهبي في الحياة أن أعمل دائما، وهمي أن أسبق من قبلي وأعجز من بعدي، ولكن يا ليت!
أكره القمر ولا أفرح بولادته؛ لأنه بشير زوال، وأنا لا أريد أن أزول قريبا. وأحب الشمس لأنها رمز الديمومة.
أتعد هذا فلسفة؟ أنا لا فلسفة لي في الحياة ولا أومن بالفلسفة، وأعتقد أنني حجر في مقلاع الجبار العنيد، فتارة يضربني وآونة يضرب بي، فخير ما أعمل هو أن أعمل بلا انقطاع؛ لأجد اللذة فيما أعمل لا فيما أفكر.
لي في حياتي مذاهب تتغير وتتقلب مع الأنوار والظلمات، ومع الحر والبرد، وفي العسر واليسر، ولكن الشيء الذي لا يتغير هو الانصراف إلى العمل الذي ينسيني جميع شئوني وشجوني.
فكل أمنيتي ألا أذيب شخصيتي في مستنقعات الآخرين، وأن أظل منسجما مع ذاتي، وأن أبقى ساذجا لا تكلف ولا تعقيد في حياتي، وألا أتخلى عن شيء من بساطة أورثنيها المربي، فأكره شيء إلي التقليد.
لا تسلني عن مذهبي في حياتي؛ لأني لا أعرف ذلك المذهب لأحدثك عنه؛ فكل ما أعرف أنني بدلت أثوابا كثيرة، ولم يبق لي ثوب لأقول هذا يعجبني، فأمري ليس في يدي.
فكل ما أعرفه هو أنني نشأت نشأة زميتة في كنف رجل يرى الضحك جريمة، فكان يهز لي العصا كلما خف وقاري فأعود إلى الترصن، وكان صباي وشبابي رصانة لا قيمة لها؛ لأنها مصطنعة وضد طبعي، فأضعت ذاتي زمنا طويلا ولم أعثر عليها إلا في ظهر العمر، وصرت أخيرا كما يقول أبو نواس: «وشيبي بحمد الله غير وقار.»
أرأيت أنني كلما قلت لك مسير لا مخير؟ كثيرا ما أحاول أن أعدي عن الهزل، ثم لا أجدني إلا انبريت له، فكأني أو كأن الحياة تريد أن تعوض علي ما حرمته في صباي وفتوتي.
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
Page inconnue