قال فيكتور هيجو: «سأل برهما القوة: أي شيء أقدر منك؟ فأجابت: الدهاء.» نعم، إن الدهاء يخلق الفرص، أما فقدانه فيضيعها، فمن لا يعرف أن يطبق سلوكه على مقتضيات زمنه فهيهات أن يبلغ أصغر أمانيه.
إنني أراك يا عزيزي تغضب لأقل بادرة تعترض طريقك، فما أراك تتغاضى عن أتفه الأمور، بل قد تخوض عدة معارك قبل أن تبلغ مركز عملك، إن هذا يا صاحبي ليس من الدهاء والحنكة في شيء، فهناك إساءات تداوى بالإعراض أو بالابتسامة أو بكلمة باردة، أما أنت فتحشد لمنازلتها جميع قواك وحواسك فتخسر المعركة تاركا فيها وقارك وكبرياءك أشلاء مبعثرة، ولو كنت داهية لداويتها بغير هذا الدواء.
قال مونتسكيو: «إن الله لما رزق الناس عقولا لم يقصد أن يكفلهم، فالدهاء هو أن تلجأ إلى عقلك في كل موقف، فتعالج به أمورك معالجة الحكيم.»
قال المتنبي في مدح صاحبه سيف الدولة الذي حاز إعجابه:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني
ألا ترى معي أن المتنبي وبرهما متفقان على أن الرأي الحصيف السديد خير من القوة في المواطن التي تعرض لك كل يوم؟ فاسمع من عبدك الفقير ولا تلجأ إلى باعك وذراعك إلا عندما تضطر إلى ذلك اضطرارا كليا، أي عندما تجدك في مضيق لا يخرجك منه إلا سلاح الحجاج بن يوسف: «وتر مثل ذراع البكر أو أشد» ...
أما عندك لسانك وعيناك وفمك؟ فرب كلمة حلوة أو نظرة استخفاف تروي ما بك من ظمأ إلى البطش، وتغنيك عن المصارعة والملاكمة!
وإذا اضطررت إلى اكتساب ميل الناس، فانح نحو إبراهيم لنكلن معهم، روي عنه أنه لما رشح نفسه لعضوية المجلس الاشتراعي كان لا بد له من الدعوة لنفسه، فذهب إلى مزرعة فيها ثلاثون رجلا فوجدهم جميعا في الحقل يحصدون، فتوجه إليهم وهو لا يدري عن أية ناحية من نواحي برنامجه الإصلاحي يحدثهم ليربحهم، أما هم فلم يسألوه عما يرمي إليه من تنظيم الشئون الداخلية، ولكنهم رغبوا في أن يعرفوا قوة عضلاته ليتيقنوا من أنه سيمثلهم في المجلس أحسن تمثيل، فما كان منه إلا أن أخذ المنجل من يد أحدهم وهاجم الزرع فلم تبق سنبلة قائمة على ساقها، وهكذا منحه الثلاثون فلاحا أصواتهم وفاز.
ترى لو لم يكن لنكلن داهية وقعد يحدث هؤلاء الفلاحين عن القوانين والمثل العليا، فأي نجاح كان قد أصاب عندهم؟
Page inconnue