رحلاته:
لما كانت السنّة النبوية ذات مكانة هامة في التشريع الإسلامي فقد بذل العلماء ما في وسعهم لخدمتها، فرحلوا المسافات البعيدة من أجل تقييد الحديث وجمعه والوقوف على أحوال رواته، وشعارهم في ذلك قوله ﷺ: "مَنْ سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة"١.
وقد اعتبر كثير من العلماء الرحلة أمرًا ضروريًا للمشتغل بالحديث. قال ابن معين ﵀: "أربعة لا يؤنس منهم رشدًا... وذكر رجلًا يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث"٢. وكذلك كان أحمد ﵀ ممن يرى ضرورة الارتحال في طلب العلم٣. وهو مذهب جملة من العلماء كابن الصلاح٤.
ولإدراك أبي داود لهذه الحقيقة فقد شرع منذ الصغر في رحلاته، فرحل إلى بغداد، وصادف ذلك وفاة عفان بن مسلم فقال: شهدت جنازته وصليت عليه٥. وكان ذلك سنة ٢٢٠هـ، وعليه فإن عمره كان حينئذ ثمانية عشر عامًا. وقد دخل بغداد غير مرة وكان آخرها سنة ٢٧٢هـ، وقدم الكوفة سنة ٢٢١هـ، ورحل إلى البصرة وسكنها، وفيها كانت وفاته. ولم يقتصر ﵀ في رحلاته على مراكز العلم في العراق، بل رحل إلى مصر والشام، وفيها كتب عن إسحاق بن إبراهيم الفراديسي، وإلى خراسان والحجاز والري٦، وغير ذلك من بلدان العالم الإسلامي. وقد أطلق عليه الحافظ ابن كثير ﵀ لقب الرحّال حيث قال: "أحد أئمة الحديث الرحّالين إلى الآفاق في طلبه"٧.
_________
١ أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم، ١/ ٢٧.
٢ الرحلة في طلب العلم ص١٧.
٣ مقدمة علوم ابن الصلاح، ص٣٦٩.
٤ المصدر السابق.
٥ تاريخ بغداد ١٢/ ٢٧٧.
٦ تهذيب الكمال ٣/ ١٣٣.
٧ البداية والنهاية ١١/ ٥٥.
1 / 23