ونقول: إذا كانت هذه العلة التي لا معنى لها من أجلها حذف من أجلها أربعة أباء من نسب المسيح، فذلك يعني أن الكاتب قد كتبه لخدمة أهداف في نفسه، وأنه لا يكتب ما علم وسمع مجردًا من الهوى والآراء الخاصة، ومن هنا يمكن أن ندرك كيفية تعامل النصارى الأوائل مع المعلومات الواردة إليهم، وأنهم يصوغونها وفق ما يرون ويعتقدون، لا وفق الحق مجردًا عن الهوى والآراء الخاصة.
ولنا أن نبحث هنا عن السبب في هذا الخطأ الفاحش والاختلاف في نسب المسيح ﵇ فنقول:
إن سبب خطأ النصارى في نسب المسيح ﵇ أنهم نسبوه إلى رجل مغمور غير مشهور هو "يوسف النجار"١ خطيب مريم في زعمهم فلهذا أخطأوا في نسبه فأعطاه "متى" نسبًا ملوكيًا٢، وأعطاه "لوقا" نسبًا أخر غير معروف ولا معلوم٣.
١ في العادة أن الناس الذين يُنسَبون إلى المهن، مثل النجار أو الحداد أو الصباغ أو نحوها يضيع نسبه بطغيان مهنته واشتهاره بها على نسبه، فهذا كان والله أعلم حال يوسف النجار، فلم يكن معروف النسب بل كان مشتهرًا بصنعته، فإذا ادعى أحد له نسبًا ليس من السهل تكذيبه وبيان خطئه، إذ أنه يمكن أن يكون من عائلة ذات نسب كما أنه يمكن أن يكون غير ذلك.
٢ يلاحظ أن الأسماء التي في إنجيل متى من بوشيا، وهو الاسم الرابع عشر إلى نهاية النسب هم من ملوك دولة يهوذا بعد سليمان ﵇.
٣ يذكر الشيخ رحمة الله الهندي أن اختلاف النسب بين لوقا ومتى دليل على أن إنجيل متى لم يكن معروفًا لدى لوقا وما اطلع عليه، وإلا لما خالفه هذه المخالفة الشديدة. انظر: إظهار الحق (١/١٩٧)