293

أقوال الطحاوي في التفسير: الفاتحة - التوبة

أقوال الطحاوي في التفسير: الفاتحة - التوبة

Genres

وكقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:٣٣].
أي: آخذ لها بما كسبت. (^١)
ومن ذلك قولهم: (قام فلان بحقي على فلان حتى استخرجه لي).
أي: عمل في تخليص حقي، وسعى في المطالبة به واسترجاعه، حتى تمكن من ذلك.
- وهذا قول: الجمهور.
الترجيح: والراجح هو قول الجمهور، الدال على أن المراد بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا﴾ [آل عمران:٧٥]. أي: ما دمت عليه قائمًا بالمطالبة والاقتضاء، وذلك لأن الله ﷿ إنما وصف أهل الكتاب باستحلال أموال الأميين، وأن منهم من لا يقضي ما عليه إلا بالاقتضاء الشديد والمطالبة الدائمة، وليس القيام على رأس الذي عليه الحق، بموجب له الانتقال من استحلال الحقوق إلى الوفاء بها. (^٢)
كما أنه قد ورد عن ابن عباس ﵁ في سبب نزولها ما يدل على أن هذا القول هو الصواب في المراد بالآية: فعن ابن عباس ﵁ أنه قال: (أودع رجل عند عبد الله بن سلام ألفًا ومائتي أوقية من ذهب فأداها إليه، وأودع رجل آخر عند فنحاص بن عازوراء فخانه فنزلت الآية). (^٣)
وعليه، فإن معنى الآية: إن من أهل الكتاب فريقًا إن ائتمنته على الأموال الكثيرة، ثم طلبتها منه، فإنه يرجعها إليك كاملة غير منقوصة، ومنهم فريق آخر إن ائتمنته على المال القليل، ثم طلبته منه، فإنه لا يرجعه إليك إلا إذا داومت على مطالبتك به، واستعملت كل الوسائل في سبيل الحصول عليه.
فهذه الآية جاءت للمدح والثناء على من أدى الأمانة، ولذم من لم يؤدي الأمانة، إذ الخيانة مستنكرة في جميع الشرائع.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.

(^١) انظر: تفسير البغوي (٢/ ٥٦) - وتفسير ابن الجوزي (١/ ٣٤٧).
(^٢) تفسير الطبري (٣/ ٣١٥).
(^٣) انظر: تفسير الرازي (٨/ ١٠٠) وتفسير البغوي (٣/ ٥٦).

1 / 293