قيل: إنما سميت بذلك لأن الشكل الواحد إذا اختلفت أصواته، فأعجمت بعضها، وتركت بعضها، فقد علم أن هذا المتروك بغير إعجام، هو غير ذلك الذي من عادته أن يعجم. فقد ارتفع إذن بما فعلوه الإشكال والاستبهام عنها جميعا، ولا فرق بين أن يزول الاستبهام عن الحرف بإعجام عليه، أو بما يقوم مقام الإعجام في الإيضاح والبيان.
ألا ترى أنك إذا أعجمت الجيم بواحدة من أسفل، والخاء بواحدة من فوق، وتركت الحاء غفلا، فقد علم بإغفالها أنها ليست واحدة من الحرفين الآخرين، أعني الجيم والخاء، وكذلك الدال والذال، والصاد والضاد، وسائر الحروف نحوها، فلما استمر البيان في جميعها جازت تسميته بحروف المعجم.
وهذا كله رأي أبي علي، وعنه أخذته، وقد أتيت في هذا الفصل من الاشتقاق وغيره، بما هو معاني قوله، وإن خالفت لفظه، وهو الصواب، الذي لا يذهب عنه إلى غيره.
واعلم١ أن العرب قد سمت هذا الخط المؤلف من هذه الحروف "الجزم".
قال أبو حاتم: إنما سمي جزما لأنه جزم من المسند، أي أخذ منه.
قال: والمسند: خط حمير في أيام ملكهم، وهو في أيديهم إلى اليوم وباليمن. فمعنى جزم: أي قطع منه وولد عنه، ومنه جزم الإعراب، لأنه اقتطاع الحرف من الحركة ومد الصوت بها للإعراب.
_________
١ أسلوب إنشائي في صورة أمر لغرض منه النصح والإرشاد.
1 / 53