على التمييز، كما تقول: لقد علم الأيقاظ عيونا تزججها، فأخفيها، في أنه" أزيل خفاءها": بمنزلة قوله "لو أننا نشكيها": أي نترك لها ما تشكوه.
فكذلك أيضا يكون قولنا: "أعجمت الكتاب": أي أزلت عنه استعجامه، كما كان أخفيها، أزيل خفاءها، ونشكيها: بمنزلة ندع لها ما تشكوه.
ونظيره أيضا: أشكلت الكتاب. أي أزلت عنه إشكاله. وقد قالوا أيضا: عجمت الكتاب، فجاءت "فعلت" للسلب أيضا، كما جاءت أفعلت.
ونظير عجمت في النفي والسلب، قولهم: مرضت الرجل: أي داويته ليزول مرضه، وقذيت عينه، أي أزلت عنه القذى١. ومنه "رجل مبطن": إذا كان خميص البطن٢، كأن بطنه أخذ منه، فجاءت "فعلت" للسلب أيضا، وإن كانت في أكثر الأمر للإيجاب، نحو: علمته، وقدمته، وأخرته، وبخرته: أي أوصلت هذه الأشياء إليه، وكذلك: عجمت الكتاب أيضا. مثل: مرضته، وقذيت عينه.
ونظير فعلت وأفعلت في السلب أيضا "تفعلت"، قالوا: تحوبت٣، وتأثمت، أي تركت الحوب والإثم، وإن كان "تفعلت" في أكثر الأمر تأتي للإثبات، نحو: تقدمت، وتأخرت، وتعجلت، وتأجلت، فكذلك أيضا أعجمت الكتاب وعجمته: أي أزلت استعجامه.
فإن قيل: إن جميع هذه الحروف ليس معجما، إنما المعجم بعضها، ألا ترى أن الألف، والحاء والدال ونحوها، ليس معجما، فكيف استجازوا تسمية جميع هذه الحروف حروف المعجم؟ ٤.
_________
١ القذى: ما يسقط في العين والشراب، وقذيت عينه من باب صدي سقطت فيها قذاة فهي قذى وقذت عينه: رمت بالقذى. مادة "ق. ذ. ى". اللسان "٥/ ٣٥٦٢".
٢ خميص البطن: الأخمص ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض، والخمصة الجوعة، وخمص بطنه خلا وضمر، "ج" خماص وخمائص. اللسان "٢/ ٣٥٦٢".
٣ تحوبت: الحوب بالضم والحاب الإثم، وقد حاب بكذا أي أثم. اللسان "٢/ ١٠٣٦".
٤ فكيف استجازوا تسمية هذه الحروف حروف المعجم؟: أسلوب إنشائي في صورة استفهام الغرض منه الاستنكار.
1 / 52