Le journalisme : une profession et une mission
الصحافة حرفة ورسالة
Genres
والصحافة هي بعد ذلك نوع من الأدب الجديد، أدب الجماهير والعامة، فهل نحن نبغي منه أدبا مصريا أو أدبا أجنبيا؟
ليس شك أننا كنا نريد أدبا مصريا. كنا نريد من الصحفي المصري أن يخاطبنا بلغتنا، وأن يحرض في نفوسنا الأماني المصرية، ولم ننتظر من الصحفي الأجنبي أن يؤدي لنا هذا الواجب؛ بل هو لا يستطيعه لو أراده لأن نفسه غير نفسنا، فلم نكن ننتظر من الجرائد والمجلات الأجنبية أن تطالبنا بدرس الحضارة الفرعونية كما فعل الدكتور محمد حسين هيكل، وأن يثبت على هذه الدعوة بينما المجلات الأجنبية تتهمه بالإلحاد من أجلها، ولم نكن ننتظر منها أن تدعونا إلى وطنية مصرية، كما فعل الأستاذ لطفي السيد في الجريدة، مع الإهانات المتكررة التي لقيها من العامة على ذلك.
والخلاصة أن الصحيفة التي يقرأها المصري يجب أن تكون مصرية بالدم والروح والمزاج، لأنها مرآة نفسه في اليوم والغد، وتمثل رجاءه في الاستقلال والحرية، وتنشد له أدبا مصريا يتفق ومزاجه ولغته وبيئته ومصريته.
وكانت الصحافة تجارة مثل أي التجارات، ولكن كانت قيودها أثقل من سائر التجارات، وكان الصحفي المصري يحمل هذه القيود راضيا وينزل على شروطها صاغرا، لأنه كان يراها تتفق ومصلحة وطنه التي هي أكبر من مصلحته، ولكن الصحفي الأجنبي لم يكن يبالي بهذه القيود، فهو كان ينشد من هذه التجارة الربح، والربح فقط.
لهذا السبب مضت علينا ثلاثون سنة والجرائد المصرية تعطل بينما الجرائد الأجنبية لا تعطل، وانتهت هذه الحال بأن أصبحت الصحافة في مصر صناعة أجنبية كاد ينساها المصري، ونحن نعرف من الشبان المصريين عشرات هجروا الصحافة لأنهم وجدوا من تعرضها المستمر للتعطيل ما يجلب عليهم الجوع والحرمان، فتركوها ساخطين.
والصحفي الأجنبي المحايد لم تتعرض جريدته للتعطيل لأنه كان يسير مع كل حزب ويمشي وراء الغالب، وهو لم يكن يشعر بالعار يلحق بالإنسان إذا استبدل بآرائه وخططه السياسية خططا وآراء أخرى كما يستبدل الإنسان حذاءه؛ وذلك لأن مصر ليست وطنه، وهو إنما هاجر إليها يبغي منها المال ولم يبغ منها وطنا؛ ولهذا السبب لم تكن تجد أجنبيا ينضم إلى حزب معين من الأحزاب السياسية المصرية، وقد تسمع منه أنه متمصر وأنه لا يعرف من الأوطان سوى مصر، ولكنه مع ذلك لم يكن يرضى أن يكون وفديا أو دستوريا لأن مصلحته التجارية كانت تدفعه إلى أن يبقى خارج الأحزاب يستغلها كما يشاء، ولأنه كان يخشى اذا هو تقيد بأحد الأحزاب أن يتعرض للتضحية، ثم هو إلى الأغراض المالية والكسب المادي كان يسير على الدوام مع الكثرة من العامة في الشئون الاجتماعية.
وكنا نحن في مصر نطالب بحرية المرأة، ولكنه كان يرى أن العامة تكره هذه الحرية، فهو يسير مع العامة ويدافع عن الحجاب، مع أنه في بيته وبين أهله وبني وطنه كان يضحك منا وينسب تأخرنا إلى الحجاب، وهذا هو السبب في المقالات الكثيرة التي كان يكتبها الرجعيون في الجرائد المحايدة الأجنبية في الدفاع عن الحجاب وتفشي الإلحاد في مصر.
هذا إلى هذر وهذيان وسخف من القصص والحكايات والخرافات كان يكتب في الصحف الأجنبية لتسميم العامة وإضعاف عقولها.
وبينا كنا نرى الصحف المصرية معطلة والأقلام المصرية مقصوفة، نرى المجلات الأجنبية تنساب بين العامة كأنها الحيات السامة، تشرح لهم كيف أن «الأستاذ» حافظ نجيب كان ينصب على الناس، وكيف أن بطلا من أبطال الأوباش كان يأكل حذاء كاملا، وكيف استطاع شحاذ أن يشتري بالشحاذة عقارا ضخما، وكيف يدخن الحشيش، وأين؟
وكان يكتب هذا في مجلات أنيقة الطبع، تستهوي العين بالصور الجميلة وبالطبع الحسن، فيقرأها الشاب المصري ويضعف عقله ويختل نظره للأشياء، حتى ليظن العبقرية في النصب والشحاذة والسخافة.
Page inconnue