5
بلغ مجد العرب المقيمين ببادية الشام وما جاورها من أرض العراق وأرض الشام غاية ذروته في هذا العهد، وقد أبرز الأدب الجاهلي هذا المجد في كل جلاله.
فالمنذر هو صاحب يوم النعيم ويوم البؤس، وهو الذي قتل عبيدا الأبرص في يوم بؤسه، وهو صاحب قصة شريك بن عمرو؛ وكان كثيرون من شعراء شبه الجزيرة يؤمونه، وقد عاصر الحارث الوهاب النابغة الذبياني وعلقمة الفحل.
تولى عمرو بن هند ملك العراق بعد أبيه المنذر الثالث؛ وفي السنة التاسعة من حكمه ولد رسول الله، ومن بعد عمرو توالى بنو المنذر على ملك الحيرة حتى تولاه أبو قابوس النعمان بن المنذر الرابع صاحب الشاعر الأعشى ميمون بن قيس بين سنة 583 وسنة 605م، وقد امتد ملك النعمان في بلاد فارس حتى بلغ دجلة حيث بنى النعمانية على مقربة من المدائن عاصمة كسرى، وكان النعمان على قبح صورته مترفا ولوعا بمتع الحياة ولينها، تزوج امرأة أبيه المتجردة ذات الجمال البارع، فأحبت المنخل اليشكري فقتله النعمان، وأنشأ النعمان الحدائق الغناء وجلب إليها أبهج الزهر، فشقائق النعمان تنسب إليه.
لم يرض كسرى أبرويز عما بلغ النعمان من سلطان وما يرفل فيه من نعمة فحبسه وقتله، ثم قضى على سلطان اللخميين جميعا، ولقد أقام مقامه على ملك الحيرة إياس بن قبيصة، وأقام معه مرزبانا فارسيا يدعى بهرجان وفي عهد إياس بعث النبي، وفي عهده كان يوم ذي قار، ثم كان إياس آخر ملوك الحيرة من العرب، فقد قام داذويه الفارسي من بعده مرزبانا على العراق من قبل كسرى، ويوم ذي قار من أيام العرب المأثورة، ذكروا أن النعمان بن المنذر أودع أمواله وحريمه هانئ بن قبيصة حين عرف غضب كسرى عليه، فلما قتل النعمان طالب كسرى هانئا بودائعه فأبى هانئ. ثم إن بني بكر بن وائل غضبوا لقتل النعمان فأغاروا على سواد العراق فنهبوا منه، وأراد كسرى معاقبتهم، فالتقت جيوشه بهم في ذي قار، ففاز العرب على الفرس فوزا عظيما، يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال في يوم ذي قار: «هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم ونصرت عليهم بي.»
6
ذلك أن النبي (عليه السلام) بعث عام ذي قار.
ذلك كان مصير اللخميين بالعراق، أما الغسانيون بالشام فظلوا يتولى الأمر منهم أمير بعد أمير، حتى كان جبلة بن الأيهم حاكم عرب الشام عندما فتحه عمر بن الخطاب، تولى منهم عمرو الأصغر في سنة 587م، فلجأ إليه النابغة الذبياني هربا من النعمان بن المنذر صاحب الحيرة؛ وتولى بعده أبو كرب النعمان السادس ابن الحارث الأصغر، ففاز من النابغة بخير مدائحه، ثم توالى عدد من الأمراء تدل كثرتهم على اقتسامهم ملك الغساسنة بالشام، حتى انتهى أمرهم إلى الأيهم الثاني ثم إلى ابنه جبلة بن الأيهم.
Page inconnue