الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الشعراء اليهود العرب
الشعراء اليهود العرب
تأليف
مراد فرج
باسم من لا إله إلا هو
وبعد، فقد كان علي أن أحاضر في الشعراء اليهود العرب واعدا بذلك إخواني في جمعية المباحث التاريخية الإسرائيلية بمصر، وجعلت أبحث وأستعد، ورأيت أن البحث قد امتد لا تكفيه المحاضرة الواحدة، وأن الأليق أن أضعها رسالة وأطبعها، وبما أن السبب فيها الجمعية المذكورة، فأنا أقدمها إليها هدية في حضرة رئيسها صاحب المعالي يوسف قطاوي باشا، وآمل أن يكون نفعها أكبر من حجمها.
مراد
الفصل الأول
ظاهر من عنواني هذا أني لا أعني إلا العرب من شعراء اليهود، فلست أعني غيرهم من الشعراء في غير العربية كالعبرية وغيرها من سائر اللغات.
وربما كانت لي كلمة يوما من الأيام على شعراء العبرية من اليهود؛ فهي والعربية عندي بمنزلة علما ومعرفة.
وشعراء العربية من اليهود على ما نعلمه قليلون أو أقل من القليل، فغير معروف لنا منهم إلا شاعران اثنان: السموأل، وابن سهل.
ولكننا بالبحث والاستقراء نجد أن لليهود من شعرائهم العرب شعراء آخرين غير هذين، هم: الربيع بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وشريح بن عمران، وأبو قيس بن رفاعة، وأبو الذيال أو أبو الزناد، ودرهم بن زيد، وسعية أو شعبة أخو السموأل، ثم آخرون غير هؤلاء رأينا بعض أشعارهم، ولم يذكر المؤرخون من هم.
ولا بد لنا أن نفهم أن هذه القلة من شعراء اليهود العرب مع ذلك ما هي إلا أثر من كثير أشبه بالأمة الإسرائيلية نفسها، فقد كانت أكبر منها اليوم، وما بقي فبقية.
فكما ناوأ الدهر وقومه اليهود مضايقة ومطاردة واعتداء بالقتل وغيره، أصاب منهم ذلك شعراءهم بالجملة.
وكأني هنا بحضرة الأستاذ الفاضل طه حسين وهو يقول: «إن لليهود في الأدب العربي أثرا كبيرا جنى على ظهوره ما كان بين العرب واليهود.»
والشعراء في كل أمة ليسوا بالعدد الذي يوصف بالكثير، ومن باب أولى الأمم الصغيرة بالنسبة إلى غيرها كأمة بني إسرائيل.
وليس اليهود أقل من غيرهم تحليقا في سماء الخيال وتصويرا للمعاني تصويرا فنيا جميلا، إن لم نقل إنهم قد يمتازون عن كثيرين غيرهم من الأمم الراقية في كثير من المواهب العقلية.
يضاف إلى ذلك ما يغلب على الظن من أن اليهود في بلاد العرب كانوا - كما قال الأستاذ أبو ذئيب - على غير اتصال بإخوانهم في البلاد الأخرى إلى أن بادوا وبادت آثارهم معهم.
وما كان لأمة مضطهدة كبني إسرائيل يعمل السيف في رقابهم ظلما وعدوانا، ويعتدى عليهم في دورهم اعتداء، ويجلون عن مساكنهم إجلاء - ما كان لأمة كهذه أن يكون لها في مثل هذه الخطوب إفاقة فكرية، فتهتم بجمع ما يكون لديها من قصائد أو أبيات لشعرائها تأخذها معها حين الجلاء.
وما كان ليعني أمة أخرى غالبة لليهود على أمرهم أن تحتفظ بذكر ما لهم من شعراء أو بما لشعرائهم من أشعار.
وما حفظ التاريخ لهم مع ذلك ما حفظه على لسان غيرهم إلا لحادثة مشهورة تغلب الدهر على نسيانها كالسموأل، أو لأن الشاعر أسلم مثلا كابن سهل، ولم نر فيما حفظه لشعرائهم في الجاهلية إلا اليسير القليل، ولا يجوز أن يكون كل ما لهم.
واضطهاد الأمم لليهود لا يحتاج إلى بيان أو تدليل، بل يمكن أن يقال إن ما ذكر اليهودي إلا وذكر معه الاضطهاد إلى عهد قريب.
ومع ذلك فإنا نورد هنا حادثة من الحوادث يشهد بها التاريخ ولا يستطاع إنكارها بحال من الأحوال وقعت على اليهود في يثرب، وكان يقطن بها منهم كثيرون، وكانوا والعرب هنالك لغة عربية واحدة فصحى، وكانت فيهم كما كان لغيرهم ملكة الشعر حتى النساء.
تلك الحادثة هي كما جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني بالجزء التاسع عشر بالوجه 94 بالطبعة الأميرية سنة 1285 هجرية:
إن الأوس والخزرج كانت بالمدينة في جهد وضيق في المعاش ليسوا بأصحاب إبل ولا شاء؛ لأن المدينة ليست بلاد نعم، وليسوا بأصحاب نخل ولا زرع، وليس للرجل منهم إلا الأغداق اليسيرة والمزرعة يستخرجها من أرض موات ، والأموال لليهود، فلبثت الأوس والخزرج بذلك حينا، ثم إن مالك بن العجلان وفد إلى أبي جبيلة الغساني، وهو يومئذ ملك غسان، فسأله عن قومه وعن منزلتهم، فأخبره بحالهم وضيق معاشهم، فقال له أبو جبيلة: والله ما نزل قوم منا بلدا إلا غلبوا أهله عليه، فما بالكم؟ ثم أمره بالمضي إلى قومه، وقال له: أعلمهم أني سائر إليهم. فرجع مالك بن العجلان فأخبرهم بأمر أبي جبيلة، ثم قال لليهود: إن الملك يريد زيارتكم فأعدوا نزلا. فأعدوه، وأقبل أبو جبيلة سائرا من الشام في جمع كثيف حتى قدم المدينة فنزل بذي حرض.
ثم أرسل إلى الأوس والخزرج، فذكر لهم الذي قدم له، وأجمع يمكر باليهود حتى يقتل رءوسهم وأشرافهم، وخشي إن لم يمكر بهم أن يتحصنوا في آطامهم
1
فيمنعوا منه حتى يطول حصاره إياهم، فأمر ببنيان حائر
2
واسع فبني، ثم أرسل إلى اليهود أن أبا جبيلة الملك قد أحب أن تأتوه، فلم يبق وجه من وجوه القوم إلا أتاه، وجعل الرجل يأتي معه بخاصته وحشمه رجاء أن يحبوهم، فلما اجتمعوا ببابه أمر رجالا من جنده أن يدخلوا الحائر الذي بني، ثم يقتلوا كل من يدخل عليهم من اليهود، ثم أمر حجابه أن يأذنوا لهم في الحائر، ويدخلوهم رجلا رجلا، فلم يزل الحجاب يأذنوا لهم كذلك ويقتلهم الجند الذين في الحائر حتى أتوا على آخرهم، ثم إن اليهود أقاموا زمنا بعدما صنع بهم أبو جبيلة ما صنع، والبعض منهم يعترض ويناوئ، فقال مالك بن العجلان لقومه: والله ما أثخنا اليهود غلبة كما نريد، فهل لكم أن أصنع لكم طعاما، ثم أرسل في مائة من أشراف من بقي من اليهود، فإذا جاءوني فاقتلوهم جميعا؟ فقالوا: نفعل. فلما جاءهم رسول مالك قالوا: والله لا نأتيهم أبدا وقد قتل أبو جبيلة منا من قتل. فقال لهم مالك: إن ذلك كان على غير هوى منا، وإنما أردنا أن نمحوه وتعلموا حالكم عندنا. فأجابوه، فجعل كلما دخل عليه رجل منهم أمر به مالك فقتل، حتى قتل منهم بضعة وثمانين رجلا، ثم إن رجلا منهم أقبل حتى قام على باب مالك فتسمع فلم يسمع صوتا، فقال: أرى أسرع ورد وأبعد صدر. فرجع وحذر أصحابه الذين بقوا فلم يأت منهم أحد.
هذه هي الحادثة أولا وثانيا، ومنها يفهم كم قتل من اليهود خيانة وغيلة، فقد كان بالمدينة منهم بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغور، وبنو قينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص - وفي رواية: القصيص بالقاف.
ولا بد أن كان منهم - كما قدمنا - من كان من الشعراء، والمقام مقام مثول بين يدي الملك له ما له من واجب الترحيب والإكرام والمدح والثناء بالشعر والشعراء.
وقد رثت اليهود امرأة منهم شاعرة هي سارة القريظية بقولها:
بنفسي أمة لم تغن شيئا
بذي حرض تعفيها الرياح
كهول من قريظة أتلفتها
سيوف الخزرجية والرماح
رزئنا والرزية ذات ثقل
يمر لأهلها الماء القراح
ولو أربوا بأمرهم لجالت
هنالك دونهم جأوى رداح
والجأوى: الكتيبة يعلوها السواد لكثرة ما عليها من الدروع. والرداح: بمعنى الشديدة القوية؛ أي لو أنهم كانوا على بينة من الأمر لكانت لهم الغلبة والفوز من الإرب بمعنى الدهاء والنكر والخبث، أو من الإرباء بمعنى الزيادة والكثرة؛ أي التفوق، أو من الربا بمعنى العلو والارتفاع والإشراف والعلم؛ أي لو أنهم كانوا على وجه الأرض لا في حائر منها، أو ربأوا بالأمر - علموا به - ولعل هذا كان الأصل في الشعر وحرف.
ولعله لولا علاقة هذا الشعر بالحادثة ما ذكره التاريخ، ولا أنه لشاعرة يهودية، وإذا كان باليهود نساء شاعرات كما ترى، فماذا كان حال الشعر من الرجال؟
وقال رجل من اليهود لمالك بن العجلان يؤنبه على ما فعل:
تسقيت قبلة أخلافها
ففيمن بقيت وفيم تسود
ولم يذكر التاريخ من هو هذا الشاعر في اليهود، ورد عليه مالك بقوله:
فإني امرؤ من بني سالم ب
ن عوف وأنت امرؤ من يهود
فلم ير مالك ردا عليه إلا كونه يهوديا، كأن اليهودية معرة، ولولاها ما عرف التوحيد، ولما جاء مصدقا لها غيرها من سائر الأديان والعهد عهد الجاهلية قبل الإسلام عرف اليهود ربهم، ولم يعرفه غيرهم من العرب بعد.
ولم يكن اليهود مع إخوانهم العرب إلا كرماء أولي فضل عليهم وإحسان إليهم، يكرمون الضيفان ويشبعون الجوعان، وليس أدل على ذلك من شهادة العباس بن مرداس الشاعر ابن الخنساء، فقد قال يرد على خوات بن جبير حين هجا بني قريظة وبني النضير:
هجوت صريح الكاهنين وفيكم
لهم نعم كانت مدى الدهر ترتبى
أولئك أحرى أن بكيت عليهم
وقومك لو أدوا من الحق واجبا
فبك بني هرون واذكر فعالهم
وقتلهم للجوع إذ كان مسغبا
والمسغب: من أسغب يسغب، دخل في المجاعة أو مع التعب والعطش.
وقال يرد عليه أيضا إنكاره رثاءه لليهود: إنهم كانوا أخلائي في الجاهلية، وكانوا قوما أنزل بهم فيكرمونني، ومثلي يشكر ما صنع إليه من الجميل (انظر هنا الأغاني الجزء الثالث عشر الوجه 70).
وقد أتيت على وصف تلك الحادثة بقصيدة جمعت فأوعت مخاطبا بها أبا جبيلة وهي:
غدرت بني قريظة شر غدر
لتملك مالهم ظلما ونهبا
وقطاع الطريق بعابريه
أخف أبا جبيلة منك خطبا
فقد أرسلت تدعوهم وفودا
إليك وخنتهم بالسيف ضربا
وكنت عليك تدخلهم فرادى
وكان لهم بحائرك المخبا
3
مثال الجبن فيك بدا بدوا
أتحسب يا مليك الجبن حربا؟
كفى شرف الوفاء لهم ومن ذا
ترى مثل السموأل فيه لبى
فداه بابنه عهدا عليه
وكان له ابنه أغلى وأربى
وآوى المستجير
4
إلى حماه
وفرج من عداه عنه كربا
ولم يك من عقيدته ولكن
هي الأخلاق والأدب المربى
وكانت حمير خذلته قبلا
وكانوا واحدا نسبا وقربى
فقل لأبي جبيلة بئس ما قد
فعلت وقل له سحقا وتبا
إذا ما شئت خيرا للرعايا
فلا يك سرقة نهبا وسلبا
ولا بالسيف يعمل في رقاب
لقوم فيك أمنهم استتبا
ولا بالغدر تقتلهم فرادى
بجندك لم يظنوا فيك ريبا
وليس الأمن فيك لهم بذنب
ولكن أنت غدرك ساء ذنبا
وقد كانوا كما تدري كراما
يزيدون الضيوف رضى وحبا
وزدت الظلم ظلما منك عودا
إليه ما عرفت سواه ربا
إذا ما الجهل حل بأرض قوم
فغير الجوع ليس لهم بعقبى
وبئس الشبع يملؤها بطونا
بأدنى خطة وأخس رغبى
الفصل الثاني
بينا في الفصل الماضي كيف أن اليهود كانوا مبتلين بالدهر وأهله، وكيف أن هذا البلاء أنحى على شعرائهم العرب، وعلى آثارهم في جملة إنحائه على اليهود عامة.
والآن نبين أن البلاء لم يترك حتى البقية لهم من شعرائهم العرب وأشعارهم، فأراد غرماؤهم أن يذهبوا بهذه البقية إمحاء لنسبتها إليهم أو سلخا لها عنهم.
فهذان بيتان اختلفت الروايات في صاحبهما وهما:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
يوما فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من
أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
فقد ورد بالأغاني بالجزء الثالث بالوجه 12 أنه قيل: إن الشعر لسعية بن السموأل، وقيل: إنه ليزيد بن عمرو بن خباب، وقيل: إنه لعامر المجنون. ثم قال الأغاني: والصحيح أنه لغريض - يعني السموأل أو ابنه سعية.
ويزعم الأب لويس شيخو اليسوعي أن الشعر من جملة قصيدة لورقة بن نوفل من شعراء النصرانية.
وليس أدل على أن الشعر ليهودي من الحديث النبوي؛ فعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وأنا أتمثل هذين البيتين، فقال: «ردي علي قول اليهودي قاتله الله، لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء عليه والدعاء له فقد كافأه.»
ومع كون الشعر ليهودي بهذه الشهادة النبوية، فقد نطق بمثل ما نزل به الوحي بعد كما ترى (انظر أيضا الأغاني الجزء الثالث الوجه 19).
وهذا السموأل حاول الأب شيخو المذكور وغيره أن يثبت أنه نصراني لا يهودي، فتقولوا عليه من الشعر ما لم يقله، وفيه ذكر الحواريين ومتى والمسيح.
ولا ضرورة لأن ننقل هنا ما تقولوه عليه من الشعر، ونبين فساد نسبته إليه وما ناقضوا به أنفسهم في محاولتهم إثبات نصرانيته وجحودهم يهوديته، فحسب الطالب أن يرجع إلى نسخة ديوانه المطبوع ببيروت سنة 1920 للأب لويس شيخو اليسوعي، فبقليل من التمعن الحر فيه يرى فساد ما تقولوه، وبطلان ما حاولوه، ويبدو للعين مع ذلك تناقضهم وتضاربهم في القول.
وإنما نورد شيئا من قصيدته اللامية الشهيرة تعزيزا قويا على يهوديته، فضلا عن اسمه؛ فهو عبري محض وهو شموئيل، وفضلا عن إجماع المؤرخين العرب، ثم فضلا عن أن الأب شيخو هو وغيره لم يتطرق كلامهم إلى سعية أو شعبة أخيه ولا إلى شعره، فبقي أخوه هذا يهوديا كما هو بلا مراء، وبقيت أشعاره يهودية مثله، وعجيب أن يفرق بين شقيقين لأب وأم، فيقال إن أحدهما نصراني أصلا والآخر يهودي أصلا أيضا مثله، فأصل واحد ويتضارب ببعضه.
فأولا قوله:
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
فمن هم الذين يمكن أن يقال عنهم إنهم القليل؟ أهم النصارى؟ أليس اليهود هم الأقل من غيرهم أمس واليوم؟ ومتى وصفت النصارى بالقلة؟ أو متى عيرهم الناس إياها؟
ثانيا قوله:
وما قل من كانت بقاياه مثلنا
شباب تسامى للعلى وكهول
فظاهر من هذا البيت أن الشاعر يذكر أن القلة إنما نشأت عما أصاب الأمة من الحروب والقتال وغيره، ولم تعرف أمة جاهدت في سبيل الله وسبيل القومية والوطن منذ نشأتها إلى أن باد ملكها ولقيت ما لقيت من غيرها من الاضطهاد والتشتيت والإكراه على الانفراط من سلكها كأمة اليهود.
ثالثا قوله:
لنا جبل يحتله من نجيره
منيع يرد الطرف وهو كليل
أليس يعني جبال أرض المقدس؟ أو ليست كلها جبالا؟ وما قيل لها بالعبرية صيون إلا لمعنى الصخر، ومقابل الكلمة في العربية الصوان أو الصوانة أو الصهوة، وهذه بمعنى البرج في أعلى الرابية. ومتى عرفت النصارى بأنهم ذوو جبل أو جبال؟
رابعا قوله:
علونا إلى خير الظهور وحطنا
لوقت إلى خير البطون نزول
فالشاعر يشير إلى ما أصاب الأمة من زوال الملك بعد العز والسؤدد، وما عرفنا أمة في أيامه أصيبت بذلك غير اليهود، وما كانت النصرانية إلا في ريعان ربيعها وشرخ شبابها، فالسموأل من أبناء القرن السادس. وما أحلى احترازه بقوله : لوقت؛ فهو الأمل والرجاء، وإن أمة فيها رمق الأمل والرجاء لن تموت.
خامسا قوله:
وأيامنا مشهورة في عدونا
لها غرر معلومة وحجول
فالشاعر يشير إلى ما كان من الحروب، وهي إنما كانت من اليهود على غيرهم جهادا لله وتكوينا للقومية والوطن.
وهذا ابن سهل الإشبيلي الأندلسي، قيل إنه أسلم فلم يريدوا أن يكون مثله يهوديا أو يكون لليهود مثله.
وقد قلت في دعوى نصرانية السموأل وإسلام ابن سهل:
جعلوا السموأل ناصر
يا وابن سهل أسلما
فكأننا لسنا بأه
ل للنجابة فيهما
ونسوا كما تدري الكثي
ر من اليهود سواهما
ونسوا سليمان الحكي
م وفضله المتقدما
ونسوا أباه والمزا
مير التي قد أحكما
ونسوا بيان المبتلى
أيوب لما استرحما
ونسوا مشاهير النبو
غ ومن إلى الفضل انتمى
فأبوا على التاريخ في
ذكر لنا أن يكرما
الفصل الثالث
الآن نتكلم على ما للشعراء اليهود من الشعر، وما لهم فيه من البلاغة والفصاحة. ولا عجب فهم والعرب كانوا بمنزلة واحدة في اللغة وجزالة اللفظ والمعنى.
وقد تكلمنا على الأبيات التي أولها: ارفع ضعيفك، وقلنا إن التاريخ لم يذكر لنا لمن هي من الشعراء اليهود، وقلنا إن ما نطق به نزل بمثله الوحي، واستدللنا بالحديث النبوي أن الشاعر يهودي لا غير يهودي. وإذا كان البيتان من قصيدة، فوجب أن يكون باقي الشعر له أيضا ضرورة صدق الشهادة.
وبينا ما احتفظ به التاريخ من شعر سارة القريظية رثاء للمغتالين من قومها بمكيدة مالك العجلان وأبي جبيلة ملك غسان، وهي الأبيات التي أولها: بنفسي أمة لم تغن شيئا.
والبيت الذي احتفظ به التاريخ أيضا لبعض الشعراء اليهود ولم يذكر من هو، وهو:
تسقيت قبلة أخلافها
ففيمن تقيم وفيم تسود
وهو يؤنب به مالك العجلان. يقول له إنه أفنى خيار القوم من اليهود كما يتحلب الحالب خير اللبن من حلمة الضرع، فلم يبق له من يفتخر بقيامه ملكا عليهم وسيدا لهم.
سعية أو شعبة
ولسعية أو شعبة أخي السموأل من الشعر ما رأيناه بالأغاني بالجزء التاسع عشر بالوجه 100 وهو:
يا دار سعدى بمنضى تلعة النعم
حييت دارا على الإقواء والقدم
عجبا فما كلمتنا الدار إذ سئلت
وما بها عن جواب خلت من صمم
وما بجزعك إلا الوحش ساكنة
وهامد من رماد القدر والحمم
وها أنا أشرح هذه الأبيات بقدر الحاجة، وأسأل الله التوفيق: فهو يخاطب دار محبوبته سعدى، ويصفها بأنها بمنضى تلعة النعم، يعني أنها أقفرت من أهلها وفارقها العز والنعيم، فالمنضى: مفعل من نضا ينضو بمعنى المنشف، والتلعة: ما ارتفع من الأرض وما انهبط ضد، ومسيل الماء، وهذا هو المراد، يعني أن دار حبيبته أصبحت كالأرض الجافة القاحلة بعد أن كانت غامرة بفيض النعم. والتلعة في اللغة العبرية بتقديم العين على اللام، وهي في باب علا يعلو لمعنى تدفق الماء إلى العلو؛ ولذا عرفت في اللغة العربية بما ارتفع من الأرض والرابية. والتلع محركة: طول العنق.
ثم هو بعد هذا يحييها ويندب سلامتها ويأسف لما أصابها، والإقواء: الفقر والضعف والقفر، كأنما هو يقول لها: لا كان هذا الذي أصابك.
ثم هو يعجب متألما كيف أن الدار بعد أن كانت آهلة عامرة أصبحت لا يرى منها إلا السكون والسكوت، لا يسمع منها جواب على مناداته لها ومناجاته إياها، كأن بها صمما وهو ما لا يعهده من قبل.
ثم صور حال الدار في البيت الثالث تصويرا يراها الإنسان به رأي العين، صور وحشتها ووجومها وسكونها فقال إنها كإحدى حالتين: كالوحش تبصرها ساكنة هامدة يبدو عليها ما يشبه الحزن والغم، والحال الثانية ما يراه الإنسان عادة في الدار الخراب من رماد النار نار القرى والضيافة والكرم والإكرام، فهو يرى أثرا بعد عين، أثرا يزعج النفس ويوجم القلب. والقدر: واحدة القدور، والحمم: أصله الحم، فك إدغامه للضرورة مرادفا لمعنى النار قبله.
ورأينا له أيضا القصيدة الآتية وهي:
لباب هل عندك من نائل
لعاشق ذي حاجة سائل
عللته منك بما لم ينل
يا ربما عللت بالباطل
لباب يا أخت بني مالك
لا تشتري العاجل بالآجل
لباب داويني ولا تقتلي
قد فضل الشافي على القاتل
إن تسألي بي فاسألي خابرا
والعلم قد يلقى لدى السائل
ينبيك من كان به عالما
عنا وما العالم كالجاهل
إنا إذا حارت دواعي الهوى
وأنصت السامع للقائل
واعتلج القوم بألبابهم
في المنطق الفاصل والنائل
لا نجعل الباطل حقا ولا
نلظ دون الحق بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا
فنخمل الدهر مع الخامل
وقيل إن الشعر للربيع بن أبي الحقيق من بني النضير، وهو من الشعراء اليهود كما قدمنا (انظر هنا كتاب طبقات الشعراء لأبي عبد الله محمد بن سلام البصري صحيفة 110)، وقد أوردها ستة أبيات لا عشرة، ثم هي بها مع ذلك شيء من الاختلاف وهي:
سائل بنا خابر أكمائنا
والعلم قد يلقى لدى السائل
لسنا إذا جارت دواعي الهوى
واستمع المنصت للقائل
واعتلج القوم بألبابهم
بقائل الجود ولا الفاعل
إنا إذا نحكم في ديننا
نرضى بحكم العادل الفاصل
لا نجعل الباطل حقا ولا
نلط دون الحق بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا
فنخمل الدهر مع الخامل
فالأغاني يقول إن الشعر كما قدمنا لسعية أخي السموأل (انظر الجزء التاسع عشر الوجه 100). وطبقات الشعراء يقول - كما مر بك - إن الشعر للربيع بن أبي الحقيق، وكلاهما يهودي.
وكان معاوية يتمثل كثيرا إذا اجتمع الناس في مجلسه بهذه الأبيات من هذا الشعر، وهي:
إنا إذا مالت دواعي الهوى
وأنصت السامع للقائل
واعتلج القوم بألبابهم
في المنطق الفاصل والنائل
لا نجعل الباطل حقا ولا
نلظ دون الحق بالباطل
نخاف أن تسفه أحلامنا
فنخمل الدهر مع الخامل
وقوله «لا نلظ بالباطل» معناه: لا يتشدد له ولا يلح به ولا يتطلبه، وفي طبقات الشعراء نلط بالطاء المهملة، والمعنى مع ذلك لا يختلف، فلط بالأمر يلط: لزمه، وهذا هو الفعل الأصلي في نشأة اللغة وهو في العبرية «ل و ط».
وكان عبد الملك بن مروان إذا جلس للقضاء بين الناس أقام وصيفا - أي خادما - على رأسه ينشده هذه الأبيات. وأورد الراوي البيت الثاني منها هكذا:
واصطرع القوم بألبابهم
نقضي بحكم عادل فاصل
وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: ما جلست إلى أبان بن عثمان إلا سمعته يتمثل بهذه الأبيات.
فلله دره من شعر يتمثل به الحكام حين يجلسون للقضاء بين الناس.
وكان سعية أخو السموأل ينادم قوما من الأوس والخزرج، ويأتونه فيقيمون عنده، ويزورونه في أوقات قد ألف زيارتهم فيها، وأغار عليه بعض ملوك اليمن فانتسف من ماله حتى افتقر ولم يبق له مال، فانقطع عنه إخوانه وجفوه، فلما أخصب وعادت حاله وتراجعت راجعوه فقال:
أرى الخلان لما قل مالي
وأجحفت النوائب ودعوني
فلما أن غنيت وعاد مالي
أراهم لا أبا لك راجعوني
وكان القوم خلانا لمالي
وإخوانا لما خولت دوني
فلما مر مالي باعدوني
ولما عاد مالي عاودوني
ونسبة هذه الأبيات إلى سعية أخي السموأل لم أجد فيها خلافا، فصاحب كتاب طبقات الشعراء لم يأت على ذكرها قط.
ولسليمان الحكيم في هذا المعنى: «يشنأ الرث هائبوه، وهائبو الغني رابون» (انظر سفر أمثال سليمان، الفصل الرابع عشر، الحكمة العشرين). أي إن الفقير يبغضه محبوه ومحبو الغني كثيرون.
واعلم أن «أهب» - وهو الفعل العبري هنا - هو عربيا «هاب» بمعنى خاف واتقى ووقر وأجل وعظم، ومنه في التوراة: «وأهبت الله» أي تهابه، والمعنى العبري الشائع الحب، وهو باب آخر بلفظه هذا في العبرية كما هو في العربية، ومعناه الإحاطة والاحتفاء بالمحبوب والعناية بأمره، كما فيه معنى التوقير والوداد في اللغتين. ولعل أهاب بالرجل في العربية دعاه إليه هو أيضا من الحب والإكرام، وهو من المعاني العبرية.
وقلنا: سعية أو شعبة؛ ففي الأغاني سعية وفي طبقات الشعراء شبعة، ويدل أنهما واحد أن كليهما في الكتابين أخو السموأل، وله في الطبقات أبيات لم أعثر عليها في الأغاني ونسبها ابن نباتة في شرحه رسالة ابن زيدون إلى السموأل، وهي:
يا ليت شعري حين أندب هالكا
ماذا تريثني به أنواحي
أيقلن لا تبعد فربة كربة
فرجتها بيسارة وسماح
ومغيرة شعواء يخشى درؤها
يوما رددت سلاحها بسلاحي
ولرب مشعلة يشب وقودها
أطفأت حر رماحها برماحي
وكتيبة أدنيتها لكتيبة
ومضاغن صبحت شر صباح
وإذا عمدت لصخرة أسهلتها
أدعو بأفلح مرة ورباح
لا تبعدن فكل حي هالك
لا بد من تلف فبن بفلاح
إن امرأ أمن الحوادث جاهلا
ورجا الخلود كضارب بقداح
ولقد أخذت الحق غير مخاصم
ولقد دفعت الضيم غير ملاح
قوله «ماذا تريثني؟» من الترييث بمعنى التليين؛ أي إن أنواحه لن تهدئ له روعا ولا تجديه نفعا. والمغيرة الشعواء بمعنى الغارة من كل جانب، والمضاغن: من الضغن، بمعنى الحقد والعداوة، يعني أن مضاغنه يلقى منه أسوأ مقابلة وأشد صدمة. والقداح: جمع قدح، وهو السهم قبل أن يراش وينصل، يعني أن راجي الخلود في الدنيا هو كمن يحاول أن يصيب بقدح لا نصل به. ثم قال إنه لهيبته وعظمته يصل إليه حقه بغير حاجة إلى المطالبة والمخاصمة، وإنه يدفع الضيم عن نفسه بغير ملاحاة؛ أي بلا منازعة، يعني أنه لا يضام.
الربيع
وعلى ذكر الربيع بن أبي الحقيق نقول إنه كان من شعراء اليهود من بني قريظة، وهم بنو النضير جميعا من ولد هارون بن عمران يقال لها: الكاهنان. وكان الربيع أحد الرؤساء في يوم حرب بعاث، وكان حليفا للخزرج هو وقومه، فكانت رياسة بني قريظة للربيع ورياسة الخزرج لعمرو بن النعمان البياضي، وكان رئيس بني النضير يومئذ سلام بن مشكم.
وأقبل النابغة الذبياني يريد سوق بني قينقاع، فلحقه الربيع بن أبي الحقيق نازلا من أطمه، فلما أشرفا على السوق سمعا الضجة، وكانت سوقا عظيمة فحاصت بالنابغة ناقته - أي نفرت - فأنشأ يقول: كادت تهال من الأصوات راحلتي. ثم قال للربيع: أجز يا ربيع. فقال: والنفر منها إذا ما أوجست خلق. فقال النابغة: ما رأيت كاليوم قط، ثم قال: لولا أنهنهها بالسوط لاجتذبت. أجز يا ربيع، فقال: مني الزمام وإني راكب لبق (أي حاذق). فقال النابغة: قد ملت الحبس في الآطام واشتعفت (يعني انشغفت). وقال: أجز يا ربيع. فقال: إلى مناهلها لو أنها طلق (أي غير مقيدة). فقال النابغة: أنت يا ربيع أشعر الناس. ولنعد هنا الأبيات مرتبة منها الصدر للنابغة والعجز للربيع، وهي :
كادت تهال من الأصوات راحلتي
والنفر منها إذا ما أوجست خلق
لولا أنهنهها بالسوط لاجتذبت
مني الزمام وإني راكب لبق
قد ملت الحبس في الآطام واشتعفت
إلى مناهلها لو أنها طلق
وعاتب قوما من الأنصار في شيء بينهم وبينه بقوله:
رأيت بني العنقاء زالوا وملكهم
وآبوا بأنف في العشيرة مرغم
فإن يقتلوا نندم لذاك وإن بقوا
فلا بد يوما من عقوق ومأتم (انظر الأغاني، الجزء الواحد والعشرين، الوجه 61، الطبعة غير الأميرية.)
ولعل مراد الشاعر المأثم - بالثاء المثلثة وحرف - وهو الذنب وما لا يحل مرادفا للعقوق قبله، ومعناه الانشقاق، وضد البر والصلاح، ويؤيد رأيي هذا قول زهير بن أبي سلمى:
فأصبحتما منها على خير موطن
بعيدين فيها من عقوق ومأثم
وحدث أن بني النضير وبني قريظة من اليهود أعملوا السيف في رقاب إخوتهم بني قينقاع؛ لانضمام هؤلاء عليهم إلى بني الخزرج، فقال ربيعة بن أبي الحقيق في ذلك يعتب على بني قريظة والنضير، ويلومهم على ما فعلوا:
سئمت وأمسيت رهن الفرا
ش من جرم قومي ومن مغرم
ومن سفه الرأي بعد النهى
وعيب الرشاد ولم يفهم
فلو أن قومي أطاعوا الحلي
م لم يتعدوا ولم يظلم
ولكن قومي أطاعوا الغوا
ة حتى تعكس أهل الدم
فأودى السفيه برأي الحلي
م وانتشر الأمر لم يبرم
الجرم (بالضم): الذنب. والمغرم (بالفتح): مفعل من معنى الشر والهلاك، وسفه الرأي: طيشه وخفته والجهل. وتعكس أهل الدم يحتمل أن يكون المراد بهم القتلى وقعوا يتخبطون في دمائهم، ويحتمل أن يكون المراد أهلهم وأقاربهم ساءت حالهم لما أصابهم. وانتشر الأمر: انتثر وانتقض وأصبح فوضى لا رئيس له، ولم يبرم: لم ينتظم.
أبو الزناد أو أبو الذيال
واختلف الرواة في اسم صاحب القصيدة الآتية، فبعضهم - وهو الأغاني بالطبعة الأميرية بالجزء التاسع عشر بالوجه 102 - يقول إنه أبو الزناد اليهودي، وصاحب طبقات الشعراء يقول بالوجه 112 إنه أبو الذيال اليهودي، وفي الأغاني بعض الأبيات دون الكل مع شيء من الاختلاف، ولنورد ما في كل من الكتابين:
فما جاء بالأغاني:
هل تعرف الدار خف ساكنها
بالحجر فالمستوى إلى ثمد
دار لبهنانة خدلجة
تضحك عن مثل جامد البرد
نعم ضجيع الفتى إذا برد الل
يل وغارت كواكب الأسد
يا من لقلب متيم سدم
عان رهين أحيط بالفقد
أزجره وهو غير مزدجر
عنها وطرفي مقارن السهد
تمشي الهوينا إذا مشت فضلا
مشي النزيف المبهور في صعد
تظل من زور بيت جارتها
واضعة كفها على الكبد
قوله «خف ساكنها» أي ارتحل أهلها مسرعين، وباقي البيت وصف للدار أين موقعها. والثمد في اللغة (محركة): الماء والمسيل ومجتمع الماء. والبهنانة: الطيبة النفس والريح، أو اللينة في عملها ومنطقها، والضحاكة الخفيفة الروح. والخدلجة (بالفتح مشددة اللام): المرأة الممتلئة الذراعين والساقين. والسدم: ككتف، المهموم الشديد الحزن. والعاني: المسكين الذليل. وأحيط موصولة بما قبلها بلا همز لضرورة الوزن. وإذا مشت فضلا في الأغاني إذا ما مشت فضلا أعني بزيادة حرف ما خطأ. والفضل (بضمتين): المتفضل؛ أي متشحة بثوب واحد.
وما جاء بكتاب طبقات الشعراء:
هل تعرف الدار خف ساكنها
بالحجر فالمستوى إلى الثمد
دار لبهنانة خدلجة
تبسم عن مثل بارد البرد
أثت فطالت حتى إذا اعتدلت
ما إن يرى الناظرون من أود
فيها فإما نقا فأسفلها
والجيد منها لظبية الجرد
لا الدهر فان ولا مواعدها
تأتي فليت القتول لم تعد
وعدا محاصله إلى خلف
ذاك طلاب التضليل والنكد
هيفاء يلتذها معانقها
بعد علال الحديث والنجد
تمشي إلى نحو بيت جارتها
واضعة كفها على الكبد
نعم شعار الفتى إذا برد الل
يل وآضت كواكب الأسد
كأن ماء الغمام خالطه
راح صفا بعد هادر الزبد
والمسك والزنجبيل عل به
أنيابها بعد غفلة الرصد
دع ذا ولكن رب عاذلة
لو علمت ما أريد لم تعد
هبت بليل تلوم في شرب ال
خمر وذكر كواعب الخرد
فقلت مهلا فلا عليك إن أم
سيت غويا غيبي ولا رشدي
إني لمستيقن لئن لم أمت
يومي إني إذا رهين غد
هل نحن إلا كمن تقدمنا
وكل من تم ظمؤه يرد
نحن كمن قد مضى وما أن أرى
شحا يزيد الحريص من عدد
فلا تلومنني على خلقي
واقني حياء الكريم واقتصدي
أثت المرأة: عظمت عجيزتها. والأود (محركة): الاعوجاج، يعني أنها ذات قوام معتدل كالغصن لا اعوجاج به. وقوله «فيها» في أول البيت بعد ذلك راجع إليها؛ أي لا يرى الناظرون أودا فيها. والنقا (مقصور): الكثيب من الرمل وكأنه بالبهاء زهير وهو يقول:
وبليتي كفل عليه ذؤابة
مثل الكثيب عليه صل مطرق
والجرد (محركة): فضاء لا نبات فيه، يعني أن أسفلها كالنقا، وعنقها كجيد ظبية الفلاة. والمواعد: جمع موعد، بمعنى الميعاد والوعد. والقتول: الكثير القتل، كقول أبي فراس: قتيلك، قالت أيهم؟ فهم كثر. يعني أنها لا تزال تعد وتخلف، وهي بين الوعد والإخلاف يكثر قتلاها، فيا ليت تلك القتول لم تعد. وقد وصف وعدها بالبيت بعد أنه وعد خلف - بضمتين - أي وعد كذب لا إنجاز له. وعلال الحديث والنجد - محركة - أي بعد أن يتآنس محبها بالحديث معها سجالا بينهما، تزيد مكانتها في عينه، والنجد: من أنجد ينجد بمعنى دل وأوضح وأبان. وقوله بعد ذلك «تمشي إلى نحو بيت جارتها» يعني أنها مع كونها جارتها فهي تستحي وتخجل وتخاف من عين الرقباء أو العشاق لفرط جمالها، فتضع يدها على كبدها إشفاقا على نفسها وهي ماشية.
وقوله «آضت» معناه عادت وتحولت ورجعت، وفي الأغاني غابت، والمعنى واحد. ثم شبه رضابها على ذكر عناقها بماء الغمام يمتزج به الراح صافيا صريحا من الحبب مطيبا بالمسك مرببا بالزنجبيل ولا عين ترى ولا أذن تسمع.
ثم تألم مستاء من الملام فقال: ولكن رب عاذلة لو علمت عذره ما عادت إلى لومه، وصور حالها معه فقال إنها هبت تلومه ذات ليلة على تعاطيه الخمر وذكره الكواعب الخرد - بضمتين - أي النواهد البكر، فأجابها بقوله: هوني عليك الأمر فلا شأن لك بغيي أو رشدي، وإني إن لم أمت اليوم فميت غدا لا محالة مثلي مثل غيري، فالموت لا بد من وروده؛ فهو كالماء للظمآن، وليس في الشح والحرص على الحياة زيادة في عدد السنين، فأقصري اللوم وارفقي بحيائي الكريم واعتدلي في القول.
ومما ورد بالأغاني ولم يرد بطبقات الشعراء لأبي الزناد أو أبي الذيال يرثي أهل تيماء، وهي ما بين خيبر وتبوك:
قد طال شوقي وعادني طربي
من ذكر خود كريمة النسب
غراء مثل الهلال صورتها
ومثل تمثال صورة الذهب
الخود (بالضم): الحسنة الخلق الشابة أو الناعمة.
كعب
ومن شعراء اليهود أيضا كعب بن الأشرف، وهو من طيئ، وأمه من بني النضير، توفي أبوه وهو صغير، فحملته أمه إلى أخواله، فنشأ فيهم وساد وكبر أمره، وقيل: بل هو من بني النضير، وكان شاعرا فارسا، وله مناقضات مع حسان بن ثابت وغيره في الحروب التي كانت بين الأوس والخزرج، وهو شاعر فحل فصيح، هكذا ورد بالأغاني بالجزء التاسع عشر بالوجه 106، وقتله الأنصار في داره، وقد حذرته امرأته منهم بقولها: ما طرقوك ساعتهم هذه بشيء تحبه. وبحثت عن تلك المناقضات في ترجمة حسان بن ثابت فلم أجد شيئا. وورد له من الشعر في طبقات الشعراء:
رب خال لي لو أبصرته
سبط المشية آباء أنف
لين الجانب في أقربه
وعلى الأعداء سم كالذعف
ولنا بئر رواء جمة
من يردها بإناء يغترف
ونخيل في قلاع جمة
تخرج التمر كأمثال الأكف
وصرير في محال خلة
آخر الليل أهازيج بدف
السبط (ككتف): نقيض الجعد، يعني أنه كان حسن المشية. وأباء أنف: عفيف نزيه النفس لا يقبل الضيم ولا يرضى بالدنيئة. والذعف والذعاف: السم أو سم ساعة، وورد في كتاب الأستاذ أبي ذئيب بالزاي فقال: كالزعف (وجه 32). والمعنى واحد؛ فسم زعاف كسم ذعاف، وتخرج التمر، في كتاب الأستاذ المذكور: تمزج التمر، ولعله تحريف. وصرير في محال خلة أوردها الأستاذ المذكور بالحاء بدل الصاد فقال: وحرير، والمحال بالكسر: الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والمكر والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والمعاداة كالمماحلة والقوة والشدة والهلاك والإهلاك. والخلة: الطائفة من الخل، وهو ما حمض من عصير العنب وغيره، وهنا أرى أن الصواب صرير بالصاد كما ورد في طبقات الشعراء لا حرير بالحاء كما ورد في غيره. والصرير : الصياح والصوت الشديد، ومنه صرير الأقلام: صوتها، فالمعنى أنه في يومه شغل شاغل وجد حافل لا خذلان للحق ولا للباطل رفق، وفي ليله سرور وطرب.
أوس بن دني
ومن الشعراء اليهود العرب أيضا أوس بن دني، لم أجده في كتاب طبقات الشعراء، ولكنه ورد ذكره في الأغاني بالجزء التاسع عشر بالوجه 93 و97، وما ورد له من الشعر:
أنى تذكر زينب القلب
وطلاب وصل عزيزة صعب
ما روضة جاد الربيع لها
موشية ما حولها جدب
بألذ منها إذ تقول لنا
سيرا قليلا يلحق الركب
يقول كيف أن قلبه يتذكر محبوبته ويتمناها وهي عزيزة المنال لا يتيسر الوصول إليها. ثم تخيل في نفسه عند كلامها له الروضة يوشيها الربيع بأزهاره ألوانا جميلة، وليس ما حولها إلا الجدب والقحل، فقال: والله ما هي بأحلى منها في عيني. وقوله «سيرا قليلا يلحق الركب» أي أجدا وأسرعا قليلا لندرك إخواننا، أو تمهلا في السير ليدركنا إخواننا. وهي كغيرها في كتاب الأغاني من الأصوات التي يتغنى بها.
وكانت له امرأة من بني قريظة أسلمت وفارقته ثم نازعتها نفسها إليه فأتته وجعلت ترغبه في الإسلام فقال فيها:
دعتني إلى الإسلام يوم لقيتها
فقلت لها لا بل تعالي تهودي
فنحن على توراة موسى ودينه
ونعم لعمري الدين دين محمد
كلانا يرى أن الرسالة دينه
ومن يهد أبواب المراشد يرشد
شريح بن عمران
ورد في طبقات الشعراء ولم أعثر عليه في الأغاني. وما ورد له من الشعر:
آخ الكرام إن استطع
ت إلى إخائهم سبيلا
واشرب بكأسهم وإن
شربوا بها السم الثميلا
أأسيد إن مال ملك
ت فسر به سيرا جميلا
أأسيد إن المال لا
يبكي إذا فقد البخيلا
إن الكريم إذا تؤا
خيه وجدت له فضولا
الثميل (من الثمال كغراب): السم المنقع. والفضول: جمع الفضل ضد النقص. يوصي بمصاحبة الكرام ويحذر من اللئام.
أبو قيس بن رفاعة
وجدته في الطبقات ولم أجده في الأغاني، والذي ورد له من الشعر:
إذا ذكرت إمامة فرط حين
ولو بعدت محلتها عريت
أكلفها ولو بعدت نواها
كأني من تذكرها حميت
طليح لا يئوب إلي جسمي
كأني سم عاضهة سقيت
وذي ضغن كففت النفس عنه
وكنت على مساءته مقيت
وسيفي صارم لا عيب فيه
ويمنعني من الرهق النبيت
متى ما يأت يوم لا تجدني
بمالي حين أتركه شقيت
ألين لهم وأفديهم بنفسي
مقارشة الرماح إذا لقيت
وأرهن في الحوادث كف بكري
لجاري في العظيمة إن دهيت
أراه ما أقام علي حقا
شريكي في تلادي ما بقيت
فرط حين: معناه بعد حين. وعريت: من عرى يعرى، استوحش وحن. يقول إنه إذا ذكرت إمامة محبوبته استوحش إليها وحن لها اشتياقا، وتمنى أن يراها ولو بعدت دارها وشط مزارها. وأكلفها: من كلف بالشيء فهو كلف ومكلف، لهج بها قلبه واشتد إليها حبه وأحس بما دهي به من كلفة بعدها عنه. والحميت: الزق. يقول فهو لتذكره إياها وشدة اشتغال قلبه بها كالزق مملوءا شوقا وحنينا. والحميت في العبرية حمت بكسر الأولين ممالا ممدود الحاء، ولو أنا قابلنا كل كلمة بأختها في العبرية لما أفلتت منا كلمة، فلكل كلمة نظير. والطليح: فعيل من طلح كمنع، أعيا. ولا يئوب إليه جسمه: لا تعاوده صحته وعافيته، فلن يزال نحيلا سقيما. والعاضهة: الحية تقتل من ساعتها، والسم قبلها مفعول مقدم لسقيت. ومقيت: من مقا يمقو ومقي يمقى بمعنى الظفر بحجة الغلبة والفوز، يعني أنه كف نفسه وترفع عن أن ينازل عدوه وفي وسعه أن يمقو أو يمقى مساءته - يردها عليه - كما يمقى السيف من صداه ويغسل الطست من وسخه، أو هو «مقيت» مبني لما لم يسم فاعله، بمعنى أنه كان مع كفه نفسه عن ذي الضغن نقيا بريئا لا يستحق ما رآه منه من المساءة، وفي حديث عائشة وذكرت عثمان رضي الله عنهما فقالت: مقوتموه مقو الطست ثم قتلتموه. أرادت أنهم عتبوه على أشياء فأعتبهم وأزال شكواهم وخرج نقيا من العتب ثم قتلوه. والرهق (محركة): السفه والحمق والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم. والنبيت: بمعنى المنبت والنشوء والأصل، يعني أنه ليس بالضعيف ولا الخامل، بل له من القوة والمقدرة ما له، فسيفه صارم قاطع أو لسانه حاد زلق يستطيع أن يصمي به كيف شاء، ولكن آدابه وأخلاقه وحرمة مكانته في نظره تمنعه من الحمق وسفه الرأي. ثم هو يقول بعد ذلك إنه إذا أكرم نفسه وأتلف ماله فلا يشقى؛ أي لا يحزن ولا يأسف. ومقارشة الرماح: تداخلها في الحرب ووقوع بعضها على بعض، يعني أنه مع قوة بطشه يعفو ويصفح ويجعل نفسه فداء ويمنع الشر لا يقابله بمثله، والبكر هنا بمعنى الكرم، يعني أنه يجعل كفه بكل ما فيها من المال رهينة لجاره إذا دهي فيه بعظيمة من العظائم في حوادث الدهر. ثم هو يبين بعد ذلك أن جاره شريك له في رأيه يقاسمه في تلاده؛ أي فيما له من أثر النعمة ما بقي حيا.
ولا شك أنها مكارم أخلاق لا مزيد بعدها، وحمية وشهامة وحلم وسخاء لا نظير له، وكأنما هي روح طاهرة تدب في كل حرف من حروف الشعر تتجلى عليك في نور يفتن اللب جزالة في اللفظ والمعنى.
درهم بن زيد
لم أجده في الأغاني وورد ذكره في الطبقات مع هذه الأبيات:
هجرت الرباب وجاراتها
وهمك بالشوق قد يطرح
يمانية نازح دارها
تقيم بغمدان لا تبرح
لعمر أبيك الذي لا أهي
ن إني لأعطي وأستفلح
وأدلج بالقوم شطر الملو
ك حتى إذا خفق المجدح
أمرت صحابي لكي ينزلوا
فناموا قليلا وقد أصبحوا
أجدوا سراعا فأفضى بهم
سراب بدوية أفيح
يقول إنه هجر حبيبته البيضاء وهجر جاراتها، وإن المشتاق قد يملك نفسه وينصرف بشوقه عنهن، ثم قال إن محبوبته يمانية نازح دارها أي بعيدة المزار. وغمدان: كعثمان قصر أو حصن بصنعاء اليمن لسيف بن ذي يزن، ويعرف بيشرخ، بناه بأربعة وجوه: أحمر وأبيض وأصفر وأخضر، وبنى داخله قصرا بسبعة سقوف، بين كل سقفين أربعون ذراعا. يعني أنه مع ما لمحبوبته من علو المنزلة وشرف المجد فقد انصرف عنها واتصل بالملوك، ثم افتخر بأنه معطاء سخي يعطي ويكسب الفوز والنجاة والبقاء في الخير، وما أحلى قوله الذي لا أهين. وأدلج: سار من أول الليل، وشطر الملوك: جهتهم وناحيتهم، وفي معجم لسان العرب: وأطعن - بالطاء المهملة - بمعنى يقصد، ورواه بعضهم بفتح العين. وخفق: غاب، والمجدح: كمنبر. الدبران (محركة): وهو نجم أو منزل للقمر أو نجم صغير بين الدبران والثريا. يعني أنه يسير من أول الليل مع أصحابه قاصدا إلى الملوك حتى إذا غاب المجدح أمر أصحابه فنزلوا عن دوابهم فناموا قليلا حتى الصباح، ثم يجدون في السير مسرعين إلى أن يتراءى لهم السراب، وهو ما تراه نصف النهار كأنه ماء، وأفيح: بمعنى منتشر مالئ الأرض.
والمعنى أنه رجل جد وإقدام، يعرف الملوك ويحبون وفادته إليه، لا يعطي لنفسه راحة إلا قليلا من الليل، ولا يزال يجد في سيره مع رفاقه وهم تحت أمره حتى ينتصف النهار بلا كلل أو ملل، وهو مع ذلك معطاء للمال يكرم به نفسه ويكرم غيره معه.
الفصل الرابع
ابن سهل
هو إبراهيم بن سهل الإشبيلي الأندلسي، وقد أفردنا له فصلا؛ لأنه ليس من شعراء الجاهلية، ولنبتدأ به من جديد. وسئل بعض المغاربة عن السبب في رقة نظمه فقال: لأنه اجتمع فيه ذلان: ذل العشق وذل اليهودية. ولما غرق قال فيه بعض أكابر زمنه: عاد الدر إلى صدفه. وله ديوان مطبوع طبعا حجريا بمصر في سنة 1302 يقع في 56 صفحة من القطع الصغير، ونكتفي بأن نشير إلى البعض من شعره للدلالة على رقته وجمال معناه، فمن ذلك:
محب يرى في الموت أمنية عسى
تخف على موسى زيارة لحده
وقوله:
لو قيل والنفس رهن الموت من ظمأ
موسى أم البارد السلسال لم أرد
يعني أنه لا يريد مكانه شيئا ولو كانت فيه حياته.
وقوله:
أليس من العجائب حال صب
له شغف وليس له فؤاد
الشغف: غلاف القلب، فكيف يكون له الغلاف دونه؟ والمعنى أنه عند حبيبه لا عنده، والمراد بالشغف هنا منتهى العشق حتى وصل إلى غلاف القلب فمزقه.
وقوله:
وكم سئل المسواك عن ذلك اللمى
فأخبر أن الريق قد عطل الشهدا
المسواك: العود تنظف به مفارق الأسنان، واللمى (مثلثة اللام): سمرة في الشفة أو شربة سواد فيها، والمراد به هنا معنى الرضاب.
وقوله:
وتوجك الرحمن تاج ملاحة
وبهجة إشراق بها الصبح يهتدي
وقوله:
إني له عن دمي المسفوك معتذر
أقول حملته في سفكه تعبا
وقوله:
إن قلت فيه هو الكليم فخده
يهديك معجزة الخليل بناره
فاتقاد وجنتيه توردا كنار إبراهيم بردا وسلاما.
وقوله:
لما أراق دم المشوق تعمدا
اسود نقط الخال من أوزاره
فهي نقطة سوداء في وجهه لجنايته القتل عمدا.
وقوله:
بكيت على النهر أخفي الدموع
فعرضها لونها للظهور
فكان يبكي دما.
وقوله:
أنار وقد وقدت زفرتي
فصار الغدو كوقت الهجير
الغدو: بمعنى الصباح، والهجير: نصف النهار عند اشتداد الحر.
وقوله:
وقبلت في الترب منه خطى
أميزها بشميم العبير
العبير: الزعفران أو أخلاط من الطيب، فهو يعرف به موضع خطاه.
وقوله:
مت قبل اللقاء شوقا فلما
جاد لي باللقاء مت سرورا
وهنا قلت على البديهة:
فلك الله غير موتك لم تل
ق مشوقا إلى اللقا أو مزورا
وقوله:
إذا فئة العذال جاءت بسحرها
ففي لحظ موسى آية تبطل السحرا
وقوله:
ترى العواذل حولي كالفراش وقد
حاموا فأحرقهم بالشوق في فرشي
وقوله:
ما طال ليلي بعده بل ناظري
يأتي الصباح فلا يراه أبيضا
فاسودت الدنيا في وجهه.
وقوله:
أصبو إلى قصص الكليم وقومه
قصدا لذكرك عندها وتعرضا
وقوله:
هلكت بما رجوت به خلاصي
وقد يردي سفينته الشراع
وقوله:
وإن عبرت عن شوقي بكتب
تلهب في أناملي اليراع
وقوله:
لست في دمعي غريقا إنما
جسدي خف ضنى حتى طفا
وقوله:
ويا صاح إن لم تدر أن صبابة
تلذ وهونا يشبه العز فاعشق
وقوله عن الخال في خد محبوبه:
إنما كان كوكبا
قابل الشمس فاحترق
وقوله:
إذا ناديت أنصاري لما بي
تبرأ مني الصبر الجميل
وقوله:
وما عشت حتى الآن إلا لأنني
خفيت فلم يدر الحمام مكاني
وقوله:
قسما لا أحبه وأنا أق
سم إني حنثت في ذا اليمين
وقوله :
أكبروه فلم تقطع أكف
بمدى بل قلوبهم بجفون
وقوله في طبيب محموم:
فإن كانت الحمى تضر حبيبها
فما عجب إضرارها بطبيب
وما كونها في مثل جسمك بدعة
فما الحر في شمس الضحى بغريب
وقوله وقد سأل محبوبته قبلة:
فاستضحكت ثم قالت ثغر ذي قلح
في ثغر ذي شنب شيء من الكلف
وقوله:
أيها السائل عن جرمي لديه
لي جزاء الذنب وهو المذنب
وإذا زل بياني أو بناني في شيء، فشكرا إلى فضل وأدب من ينبه بحق إلى الصواب، فلا مأرب لي إلا العلم مشفوعا بالمحبة والوداد إلى جميع العناصر من العباد، والله يتولى التوفيق والسداد.
مراد
Morad Farag Bey
Avocat
Le Caire Egypte - Heliopolis
2 Fevrier 1929
Page inconnue