الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الشعراء اليهود العرب
الشعراء اليهود العرب
Page inconnue
تأليف
مراد فرج
باسم من لا إله إلا هو
وبعد، فقد كان علي أن أحاضر في الشعراء اليهود العرب واعدا بذلك إخواني في جمعية المباحث التاريخية الإسرائيلية بمصر، وجعلت أبحث وأستعد، ورأيت أن البحث قد امتد لا تكفيه المحاضرة الواحدة، وأن الأليق أن أضعها رسالة وأطبعها، وبما أن السبب فيها الجمعية المذكورة، فأنا أقدمها إليها هدية في حضرة رئيسها صاحب المعالي يوسف قطاوي باشا، وآمل أن يكون نفعها أكبر من حجمها.
مراد
الفصل الأول
ظاهر من عنواني هذا أني لا أعني إلا العرب من شعراء اليهود، فلست أعني غيرهم من الشعراء في غير العربية كالعبرية وغيرها من سائر اللغات.
وربما كانت لي كلمة يوما من الأيام على شعراء العبرية من اليهود؛ فهي والعربية عندي بمنزلة علما ومعرفة.
وشعراء العربية من اليهود على ما نعلمه قليلون أو أقل من القليل، فغير معروف لنا منهم إلا شاعران اثنان: السموأل، وابن سهل.
ولكننا بالبحث والاستقراء نجد أن لليهود من شعرائهم العرب شعراء آخرين غير هذين، هم: الربيع بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وشريح بن عمران، وأبو قيس بن رفاعة، وأبو الذيال أو أبو الزناد، ودرهم بن زيد، وسعية أو شعبة أخو السموأل، ثم آخرون غير هؤلاء رأينا بعض أشعارهم، ولم يذكر المؤرخون من هم.
Page inconnue
ولا بد لنا أن نفهم أن هذه القلة من شعراء اليهود العرب مع ذلك ما هي إلا أثر من كثير أشبه بالأمة الإسرائيلية نفسها، فقد كانت أكبر منها اليوم، وما بقي فبقية.
فكما ناوأ الدهر وقومه اليهود مضايقة ومطاردة واعتداء بالقتل وغيره، أصاب منهم ذلك شعراءهم بالجملة.
وكأني هنا بحضرة الأستاذ الفاضل طه حسين وهو يقول: «إن لليهود في الأدب العربي أثرا كبيرا جنى على ظهوره ما كان بين العرب واليهود.»
والشعراء في كل أمة ليسوا بالعدد الذي يوصف بالكثير، ومن باب أولى الأمم الصغيرة بالنسبة إلى غيرها كأمة بني إسرائيل.
وليس اليهود أقل من غيرهم تحليقا في سماء الخيال وتصويرا للمعاني تصويرا فنيا جميلا، إن لم نقل إنهم قد يمتازون عن كثيرين غيرهم من الأمم الراقية في كثير من المواهب العقلية.
يضاف إلى ذلك ما يغلب على الظن من أن اليهود في بلاد العرب كانوا - كما قال الأستاذ أبو ذئيب - على غير اتصال بإخوانهم في البلاد الأخرى إلى أن بادوا وبادت آثارهم معهم.
وما كان لأمة مضطهدة كبني إسرائيل يعمل السيف في رقابهم ظلما وعدوانا، ويعتدى عليهم في دورهم اعتداء، ويجلون عن مساكنهم إجلاء - ما كان لأمة كهذه أن يكون لها في مثل هذه الخطوب إفاقة فكرية، فتهتم بجمع ما يكون لديها من قصائد أو أبيات لشعرائها تأخذها معها حين الجلاء.
وما كان ليعني أمة أخرى غالبة لليهود على أمرهم أن تحتفظ بذكر ما لهم من شعراء أو بما لشعرائهم من أشعار.
وما حفظ التاريخ لهم مع ذلك ما حفظه على لسان غيرهم إلا لحادثة مشهورة تغلب الدهر على نسيانها كالسموأل، أو لأن الشاعر أسلم مثلا كابن سهل، ولم نر فيما حفظه لشعرائهم في الجاهلية إلا اليسير القليل، ولا يجوز أن يكون كل ما لهم.
واضطهاد الأمم لليهود لا يحتاج إلى بيان أو تدليل، بل يمكن أن يقال إن ما ذكر اليهودي إلا وذكر معه الاضطهاد إلى عهد قريب.
Page inconnue
ومع ذلك فإنا نورد هنا حادثة من الحوادث يشهد بها التاريخ ولا يستطاع إنكارها بحال من الأحوال وقعت على اليهود في يثرب، وكان يقطن بها منهم كثيرون، وكانوا والعرب هنالك لغة عربية واحدة فصحى، وكانت فيهم كما كان لغيرهم ملكة الشعر حتى النساء.
تلك الحادثة هي كما جاء في كتاب الأغاني للأصفهاني بالجزء التاسع عشر بالوجه 94 بالطبعة الأميرية سنة 1285 هجرية:
إن الأوس والخزرج كانت بالمدينة في جهد وضيق في المعاش ليسوا بأصحاب إبل ولا شاء؛ لأن المدينة ليست بلاد نعم، وليسوا بأصحاب نخل ولا زرع، وليس للرجل منهم إلا الأغداق اليسيرة والمزرعة يستخرجها من أرض موات ، والأموال لليهود، فلبثت الأوس والخزرج بذلك حينا، ثم إن مالك بن العجلان وفد إلى أبي جبيلة الغساني، وهو يومئذ ملك غسان، فسأله عن قومه وعن منزلتهم، فأخبره بحالهم وضيق معاشهم، فقال له أبو جبيلة: والله ما نزل قوم منا بلدا إلا غلبوا أهله عليه، فما بالكم؟ ثم أمره بالمضي إلى قومه، وقال له: أعلمهم أني سائر إليهم. فرجع مالك بن العجلان فأخبرهم بأمر أبي جبيلة، ثم قال لليهود: إن الملك يريد زيارتكم فأعدوا نزلا. فأعدوه، وأقبل أبو جبيلة سائرا من الشام في جمع كثيف حتى قدم المدينة فنزل بذي حرض.
ثم أرسل إلى الأوس والخزرج، فذكر لهم الذي قدم له، وأجمع يمكر باليهود حتى يقتل رءوسهم وأشرافهم، وخشي إن لم يمكر بهم أن يتحصنوا في آطامهم
1
فيمنعوا منه حتى يطول حصاره إياهم، فأمر ببنيان حائر
2
واسع فبني، ثم أرسل إلى اليهود أن أبا جبيلة الملك قد أحب أن تأتوه، فلم يبق وجه من وجوه القوم إلا أتاه، وجعل الرجل يأتي معه بخاصته وحشمه رجاء أن يحبوهم، فلما اجتمعوا ببابه أمر رجالا من جنده أن يدخلوا الحائر الذي بني، ثم يقتلوا كل من يدخل عليهم من اليهود، ثم أمر حجابه أن يأذنوا لهم في الحائر، ويدخلوهم رجلا رجلا، فلم يزل الحجاب يأذنوا لهم كذلك ويقتلهم الجند الذين في الحائر حتى أتوا على آخرهم، ثم إن اليهود أقاموا زمنا بعدما صنع بهم أبو جبيلة ما صنع، والبعض منهم يعترض ويناوئ، فقال مالك بن العجلان لقومه: والله ما أثخنا اليهود غلبة كما نريد، فهل لكم أن أصنع لكم طعاما، ثم أرسل في مائة من أشراف من بقي من اليهود، فإذا جاءوني فاقتلوهم جميعا؟ فقالوا: نفعل. فلما جاءهم رسول مالك قالوا: والله لا نأتيهم أبدا وقد قتل أبو جبيلة منا من قتل. فقال لهم مالك: إن ذلك كان على غير هوى منا، وإنما أردنا أن نمحوه وتعلموا حالكم عندنا. فأجابوه، فجعل كلما دخل عليه رجل منهم أمر به مالك فقتل، حتى قتل منهم بضعة وثمانين رجلا، ثم إن رجلا منهم أقبل حتى قام على باب مالك فتسمع فلم يسمع صوتا، فقال: أرى أسرع ورد وأبعد صدر. فرجع وحذر أصحابه الذين بقوا فلم يأت منهم أحد.
هذه هي الحادثة أولا وثانيا، ومنها يفهم كم قتل من اليهود خيانة وغيلة، فقد كان بالمدينة منهم بنو عكرمة، وبنو ثعلبة، وبنو محمر، وبنو زغور، وبنو قينقاع، وبنو زيد، وبنو النضير، وبنو قريظة، وبنو بهدل، وبنو عوف، وبنو الفصيص - وفي رواية: القصيص بالقاف.
ولا بد أن كان منهم - كما قدمنا - من كان من الشعراء، والمقام مقام مثول بين يدي الملك له ما له من واجب الترحيب والإكرام والمدح والثناء بالشعر والشعراء.
Page inconnue
وقد رثت اليهود امرأة منهم شاعرة هي سارة القريظية بقولها:
بنفسي أمة لم تغن شيئا
بذي حرض تعفيها الرياح
كهول من قريظة أتلفتها
سيوف الخزرجية والرماح
رزئنا والرزية ذات ثقل
يمر لأهلها الماء القراح
ولو أربوا بأمرهم لجالت
هنالك دونهم جأوى رداح
والجأوى: الكتيبة يعلوها السواد لكثرة ما عليها من الدروع. والرداح: بمعنى الشديدة القوية؛ أي لو أنهم كانوا على بينة من الأمر لكانت لهم الغلبة والفوز من الإرب بمعنى الدهاء والنكر والخبث، أو من الإرباء بمعنى الزيادة والكثرة؛ أي التفوق، أو من الربا بمعنى العلو والارتفاع والإشراف والعلم؛ أي لو أنهم كانوا على وجه الأرض لا في حائر منها، أو ربأوا بالأمر - علموا به - ولعل هذا كان الأصل في الشعر وحرف.
Page inconnue
ولعله لولا علاقة هذا الشعر بالحادثة ما ذكره التاريخ، ولا أنه لشاعرة يهودية، وإذا كان باليهود نساء شاعرات كما ترى، فماذا كان حال الشعر من الرجال؟
وقال رجل من اليهود لمالك بن العجلان يؤنبه على ما فعل:
تسقيت قبلة أخلافها
ففيمن بقيت وفيم تسود
ولم يذكر التاريخ من هو هذا الشاعر في اليهود، ورد عليه مالك بقوله:
فإني امرؤ من بني سالم ب
ن عوف وأنت امرؤ من يهود
فلم ير مالك ردا عليه إلا كونه يهوديا، كأن اليهودية معرة، ولولاها ما عرف التوحيد، ولما جاء مصدقا لها غيرها من سائر الأديان والعهد عهد الجاهلية قبل الإسلام عرف اليهود ربهم، ولم يعرفه غيرهم من العرب بعد.
ولم يكن اليهود مع إخوانهم العرب إلا كرماء أولي فضل عليهم وإحسان إليهم، يكرمون الضيفان ويشبعون الجوعان، وليس أدل على ذلك من شهادة العباس بن مرداس الشاعر ابن الخنساء، فقد قال يرد على خوات بن جبير حين هجا بني قريظة وبني النضير:
هجوت صريح الكاهنين وفيكم
Page inconnue
لهم نعم كانت مدى الدهر ترتبى
أولئك أحرى أن بكيت عليهم
وقومك لو أدوا من الحق واجبا
فبك بني هرون واذكر فعالهم
وقتلهم للجوع إذ كان مسغبا
والمسغب: من أسغب يسغب، دخل في المجاعة أو مع التعب والعطش.
وقال يرد عليه أيضا إنكاره رثاءه لليهود: إنهم كانوا أخلائي في الجاهلية، وكانوا قوما أنزل بهم فيكرمونني، ومثلي يشكر ما صنع إليه من الجميل (انظر هنا الأغاني الجزء الثالث عشر الوجه 70).
وقد أتيت على وصف تلك الحادثة بقصيدة جمعت فأوعت مخاطبا بها أبا جبيلة وهي:
غدرت بني قريظة شر غدر
لتملك مالهم ظلما ونهبا
Page inconnue
وقطاع الطريق بعابريه
أخف أبا جبيلة منك خطبا
فقد أرسلت تدعوهم وفودا
إليك وخنتهم بالسيف ضربا
وكنت عليك تدخلهم فرادى
وكان لهم بحائرك المخبا
3
مثال الجبن فيك بدا بدوا
أتحسب يا مليك الجبن حربا؟
كفى شرف الوفاء لهم ومن ذا
Page inconnue
ترى مثل السموأل فيه لبى
فداه بابنه عهدا عليه
وكان له ابنه أغلى وأربى
وآوى المستجير
4
إلى حماه
وفرج من عداه عنه كربا
ولم يك من عقيدته ولكن
هي الأخلاق والأدب المربى
وكانت حمير خذلته قبلا
Page inconnue
وكانوا واحدا نسبا وقربى
فقل لأبي جبيلة بئس ما قد
فعلت وقل له سحقا وتبا
إذا ما شئت خيرا للرعايا
فلا يك سرقة نهبا وسلبا
ولا بالسيف يعمل في رقاب
لقوم فيك أمنهم استتبا
ولا بالغدر تقتلهم فرادى
بجندك لم يظنوا فيك ريبا
وليس الأمن فيك لهم بذنب
Page inconnue
ولكن أنت غدرك ساء ذنبا
وقد كانوا كما تدري كراما
يزيدون الضيوف رضى وحبا
وزدت الظلم ظلما منك عودا
إليه ما عرفت سواه ربا
إذا ما الجهل حل بأرض قوم
فغير الجوع ليس لهم بعقبى
وبئس الشبع يملؤها بطونا
بأدنى خطة وأخس رغبى
الفصل الثاني
Page inconnue
بينا في الفصل الماضي كيف أن اليهود كانوا مبتلين بالدهر وأهله، وكيف أن هذا البلاء أنحى على شعرائهم العرب، وعلى آثارهم في جملة إنحائه على اليهود عامة.
والآن نبين أن البلاء لم يترك حتى البقية لهم من شعرائهم العرب وأشعارهم، فأراد غرماؤهم أن يذهبوا بهذه البقية إمحاء لنسبتها إليهم أو سلخا لها عنهم.
فهذان بيتان اختلفت الروايات في صاحبهما وهما:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه
يوما فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من
أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
فقد ورد بالأغاني بالجزء الثالث بالوجه 12 أنه قيل: إن الشعر لسعية بن السموأل، وقيل: إنه ليزيد بن عمرو بن خباب، وقيل: إنه لعامر المجنون. ثم قال الأغاني: والصحيح أنه لغريض - يعني السموأل أو ابنه سعية.
ويزعم الأب لويس شيخو اليسوعي أن الشعر من جملة قصيدة لورقة بن نوفل من شعراء النصرانية.
وليس أدل على أن الشعر ليهودي من الحديث النبوي؛ فعن عائشة قالت: دخل علي رسول الله
Page inconnue
صلى الله عليه وسلم
وأنا أتمثل هذين البيتين، فقال: «ردي علي قول اليهودي قاتله الله، لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء عليه والدعاء له فقد كافأه.»
ومع كون الشعر ليهودي بهذه الشهادة النبوية، فقد نطق بمثل ما نزل به الوحي بعد كما ترى (انظر أيضا الأغاني الجزء الثالث الوجه 19).
وهذا السموأل حاول الأب شيخو المذكور وغيره أن يثبت أنه نصراني لا يهودي، فتقولوا عليه من الشعر ما لم يقله، وفيه ذكر الحواريين ومتى والمسيح.
ولا ضرورة لأن ننقل هنا ما تقولوه عليه من الشعر، ونبين فساد نسبته إليه وما ناقضوا به أنفسهم في محاولتهم إثبات نصرانيته وجحودهم يهوديته، فحسب الطالب أن يرجع إلى نسخة ديوانه المطبوع ببيروت سنة 1920 للأب لويس شيخو اليسوعي، فبقليل من التمعن الحر فيه يرى فساد ما تقولوه، وبطلان ما حاولوه، ويبدو للعين مع ذلك تناقضهم وتضاربهم في القول.
وإنما نورد شيئا من قصيدته اللامية الشهيرة تعزيزا قويا على يهوديته، فضلا عن اسمه؛ فهو عبري محض وهو شموئيل، وفضلا عن إجماع المؤرخين العرب، ثم فضلا عن أن الأب شيخو هو وغيره لم يتطرق كلامهم إلى سعية أو شعبة أخيه ولا إلى شعره، فبقي أخوه هذا يهوديا كما هو بلا مراء، وبقيت أشعاره يهودية مثله، وعجيب أن يفرق بين شقيقين لأب وأم، فيقال إن أحدهما نصراني أصلا والآخر يهودي أصلا أيضا مثله، فأصل واحد ويتضارب ببعضه.
فأولا قوله:
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
فمن هم الذين يمكن أن يقال عنهم إنهم القليل؟ أهم النصارى؟ أليس اليهود هم الأقل من غيرهم أمس واليوم؟ ومتى وصفت النصارى بالقلة؟ أو متى عيرهم الناس إياها؟
Page inconnue
ثانيا قوله:
وما قل من كانت بقاياه مثلنا
شباب تسامى للعلى وكهول
فظاهر من هذا البيت أن الشاعر يذكر أن القلة إنما نشأت عما أصاب الأمة من الحروب والقتال وغيره، ولم تعرف أمة جاهدت في سبيل الله وسبيل القومية والوطن منذ نشأتها إلى أن باد ملكها ولقيت ما لقيت من غيرها من الاضطهاد والتشتيت والإكراه على الانفراط من سلكها كأمة اليهود.
ثالثا قوله:
لنا جبل يحتله من نجيره
منيع يرد الطرف وهو كليل
أليس يعني جبال أرض المقدس؟ أو ليست كلها جبالا؟ وما قيل لها بالعبرية صيون إلا لمعنى الصخر، ومقابل الكلمة في العربية الصوان أو الصوانة أو الصهوة، وهذه بمعنى البرج في أعلى الرابية. ومتى عرفت النصارى بأنهم ذوو جبل أو جبال؟
رابعا قوله:
علونا إلى خير الظهور وحطنا
Page inconnue
لوقت إلى خير البطون نزول
فالشاعر يشير إلى ما أصاب الأمة من زوال الملك بعد العز والسؤدد، وما عرفنا أمة في أيامه أصيبت بذلك غير اليهود، وما كانت النصرانية إلا في ريعان ربيعها وشرخ شبابها، فالسموأل من أبناء القرن السادس. وما أحلى احترازه بقوله : لوقت؛ فهو الأمل والرجاء، وإن أمة فيها رمق الأمل والرجاء لن تموت.
خامسا قوله:
وأيامنا مشهورة في عدونا
لها غرر معلومة وحجول
فالشاعر يشير إلى ما كان من الحروب، وهي إنما كانت من اليهود على غيرهم جهادا لله وتكوينا للقومية والوطن.
وهذا ابن سهل الإشبيلي الأندلسي، قيل إنه أسلم فلم يريدوا أن يكون مثله يهوديا أو يكون لليهود مثله.
وقد قلت في دعوى نصرانية السموأل وإسلام ابن سهل:
جعلوا السموأل ناصر
يا وابن سهل أسلما
Page inconnue
فكأننا لسنا بأه
ل للنجابة فيهما
ونسوا كما تدري الكثي
ر من اليهود سواهما
ونسوا سليمان الحكي
م وفضله المتقدما
ونسوا أباه والمزا
مير التي قد أحكما
ونسوا بيان المبتلى
أيوب لما استرحما
Page inconnue
ونسوا مشاهير النبو
غ ومن إلى الفضل انتمى
فأبوا على التاريخ في
ذكر لنا أن يكرما
الفصل الثالث
الآن نتكلم على ما للشعراء اليهود من الشعر، وما لهم فيه من البلاغة والفصاحة. ولا عجب فهم والعرب كانوا بمنزلة واحدة في اللغة وجزالة اللفظ والمعنى.
وقد تكلمنا على الأبيات التي أولها: ارفع ضعيفك، وقلنا إن التاريخ لم يذكر لنا لمن هي من الشعراء اليهود، وقلنا إن ما نطق به نزل بمثله الوحي، واستدللنا بالحديث النبوي أن الشاعر يهودي لا غير يهودي. وإذا كان البيتان من قصيدة، فوجب أن يكون باقي الشعر له أيضا ضرورة صدق الشهادة.
وبينا ما احتفظ به التاريخ من شعر سارة القريظية رثاء للمغتالين من قومها بمكيدة مالك العجلان وأبي جبيلة ملك غسان، وهي الأبيات التي أولها: بنفسي أمة لم تغن شيئا.
والبيت الذي احتفظ به التاريخ أيضا لبعض الشعراء اليهود ولم يذكر من هو، وهو:
تسقيت قبلة أخلافها
Page inconnue
ففيمن تقيم وفيم تسود
وهو يؤنب به مالك العجلان. يقول له إنه أفنى خيار القوم من اليهود كما يتحلب الحالب خير اللبن من حلمة الضرع، فلم يبق له من يفتخر بقيامه ملكا عليهم وسيدا لهم.
سعية أو شعبة
ولسعية أو شعبة أخي السموأل من الشعر ما رأيناه بالأغاني بالجزء التاسع عشر بالوجه 100 وهو:
يا دار سعدى بمنضى تلعة النعم
حييت دارا على الإقواء والقدم
عجبا فما كلمتنا الدار إذ سئلت
وما بها عن جواب خلت من صمم
وما بجزعك إلا الوحش ساكنة
وهامد من رماد القدر والحمم
Page inconnue
وها أنا أشرح هذه الأبيات بقدر الحاجة، وأسأل الله التوفيق: فهو يخاطب دار محبوبته سعدى، ويصفها بأنها بمنضى تلعة النعم، يعني أنها أقفرت من أهلها وفارقها العز والنعيم، فالمنضى: مفعل من نضا ينضو بمعنى المنشف، والتلعة: ما ارتفع من الأرض وما انهبط ضد، ومسيل الماء، وهذا هو المراد، يعني أن دار حبيبته أصبحت كالأرض الجافة القاحلة بعد أن كانت غامرة بفيض النعم. والتلعة في اللغة العبرية بتقديم العين على اللام، وهي في باب علا يعلو لمعنى تدفق الماء إلى العلو؛ ولذا عرفت في اللغة العربية بما ارتفع من الأرض والرابية. والتلع محركة: طول العنق.
ثم هو بعد هذا يحييها ويندب سلامتها ويأسف لما أصابها، والإقواء: الفقر والضعف والقفر، كأنما هو يقول لها: لا كان هذا الذي أصابك.
ثم هو يعجب متألما كيف أن الدار بعد أن كانت آهلة عامرة أصبحت لا يرى منها إلا السكون والسكوت، لا يسمع منها جواب على مناداته لها ومناجاته إياها، كأن بها صمما وهو ما لا يعهده من قبل.
ثم صور حال الدار في البيت الثالث تصويرا يراها الإنسان به رأي العين، صور وحشتها ووجومها وسكونها فقال إنها كإحدى حالتين: كالوحش تبصرها ساكنة هامدة يبدو عليها ما يشبه الحزن والغم، والحال الثانية ما يراه الإنسان عادة في الدار الخراب من رماد النار نار القرى والضيافة والكرم والإكرام، فهو يرى أثرا بعد عين، أثرا يزعج النفس ويوجم القلب. والقدر: واحدة القدور، والحمم: أصله الحم، فك إدغامه للضرورة مرادفا لمعنى النار قبله.
ورأينا له أيضا القصيدة الآتية وهي:
لباب هل عندك من نائل
لعاشق ذي حاجة سائل
عللته منك بما لم ينل
يا ربما عللت بالباطل
لباب يا أخت بني مالك
Page inconnue
لا تشتري العاجل بالآجل
لباب داويني ولا تقتلي
قد فضل الشافي على القاتل
إن تسألي بي فاسألي خابرا
والعلم قد يلقى لدى السائل
ينبيك من كان به عالما
عنا وما العالم كالجاهل
إنا إذا حارت دواعي الهوى
وأنصت السامع للقائل
واعتلج القوم بألبابهم
Page inconnue