فإذا كان المسلمون كلهم ليس فيهم من قال: إن فاطمة رضي الله عنها مظلومة، ولا أن لها حقا عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا أنهما ظلماها، ولا تكلم أحد في هذا بكلمة واحدة - دل ذلك على أن القوم كانوا يعلمون أنها ليست مظلومة، إذ لو علموا أنها مظلومة لكان تركهم نصرتها: إما عجزا عن نصرتها، وإما إهمالا وإضاعة لحقها، وإما بغضا فيها، غذ الفعل الذي يقدر عليه الإنسان إذا أراده إرادة جازمة فعله لا محالة، فإذا لم يرده - مع قيام المقتضى لإرادته - فإما أن يكون جاهلا به، أو له معارض يمنعه من إرادته، فلو كانت مظلومة مع شرفها وشرف قبيلتها وأقاربها، وأن أباها أفضل الخلق وأحبهم إلى أمته، وهم يعلمون أنها مظلومة لكانوا إما عاجزين عن نصرتها، وإما أن يكون لهم معارض عارض إرادة النصر من بغضها، وكلا الأمرين باطل، فإن القوم ما كانوا عاجزين أن يتكلم واحد منهم بكلمة حق، وهم كانوا أقدر على تغيير ما هو أعظم من هذا.
وأبو بكر لم يكن ممتنعا من سماع كلام أحد منهم، ولا هو معروفا بالظلم والجبروت. واتفاق هؤلاء كلهم، مع توفر دواعيهم على بغض فاطمة، مع قيام الأسباب الموجبة لمحبتها، مما يعلم بالضرورة امتناعه. وكذلك علي رضي الله عنه، لا سيما وجمهور قريش والأنصار والمسلمين لم يوجه علي إلى أحد منهم إساءة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، ولا قتل أحدا من أقاربهم، فإن الذين قتلهم علي لم يكونوا من أكبر القبائل، وما من أحد من الصحابة إلا وقد قتل أيضا.
وكان عمر رضي الله عنه أشد على الكفار وأكثر عداوة لهم من علي. فكلامهم فيه وعداوتهم له معروفة، ومن تولى عليهم، فما مات إلا وكلهم يثني عليه خيرا، ويدعو له، ويتوجع لمصاب المسلمين به.
Page 56