اعلم أيها المسترشد أن الذي ترجح في خاطري جواز أكل الذبيحة التي يذبحها الكافر الكتابي سواء كان من اليهود والنصارى أو من كفار أهل القبلة المحمدية، وقد كان جرى بيني وبين حي السيد العالم كمال الدين محمد بن جابر الرايمي رحمه الله كلام في هذا المعنى، وأصله أنه حضر طعام عليه لحم من ذبيحة من هذه حاله فأكلت منه وتحرمه ولم يذقه، فجرت بيننا مراجعة، وكان سديد النظر، كثير التأمل للأدلة والنظر فيها، فصح له ما صح لي وحضر عشاء ذلك اليوم طعام عليه لحم من ذبيحة من هذه حاله فأكلت وأكل معي منه وتحرير مضمون ما جرى من الحديث المقوي لهذا المذهب ما مثاله أن ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى يجوز أكلها، وإنما جاز أكلها لكونهم أهل كتاب، وقد شاركهم كفار أهل القبلة في هذه العلة، وهي كونهم أهل كتاب فيجب أن يشاركوهم في الحكم، هذه الدلالة مبنية على أربعة أركان:
الأول: أن ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى يجوز أكلها.
والثاني: أن ذلك إنما جاز فيها لكونهم أهل كتاب.
والثالث: أن كفار أهل القبلة المحمدية قد شاركوهم في هذه العلة وهي كونهم أهل كتاب.
والرابع: أنهم إذا شاركوهم في ذلك وجب أن يشاركوهم في الحكم.
أما الركن الأول: وهو أن ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى يجوز أكلها، وهذا هو قول جعفر الصادق وهي إحدى الروايتين عن عمه زيد بن علي، وفي كتاب (العلوم).
قال أبو جعفر: وأما صيد اليهودي والنصراني فلا بأس بصيدهم السمك وغيره، وجائز ذبيحتهم.
قال الحاكم: وهذا هو قول الحسن بن أبي الحسن، والزهري، والشعبي، وعطاء، وقتادة، قال: وهو قول أبي علي، وأكثر المفسرين والفقهاء، والذي يدل على جواز ذلك الكتاب والسنة.
Page 75