Poésie et pensée : études en littérature et philosophie
شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة
Genres
يقول هلدرلين في إحدى قصائده التي لم تتم:
جرب الإنسان الكثير،
وسمى من السماويين الكثير
منذ أن كنا حوارا
ونسمع عن بعضها البعض.
وإذن فنحن البشر حوار. ووجودنا يقوم باللغة وعليها، لكن هذه اللغة «لا تحدث» إلا حيث يكون الحوار، ولا تبلغ حقيقتها إلا به. وليست اللغة المقصودة هي نسق الكلام وقواعده وبنائه النحوي والصرفي، فهذه كلها مظاهر اللغة. إنما «الحدث» الجوهري للغة هو الحوار، والحوار يفترض إمكانية السماع والإنصات لبعضنا البعض، والحوار يفترض كذلك أن تكشف الكلمة الجوهرية عن الشيء الواحد الذي يمكن أن نتفق عليه، ونتحد به، ويحمل وجودنا. وهذا الذي نتحد عليه لا بد أن يكون شيئا ثابتا وباقيا.
ولكن هلدرلين يقول: منذ أن كنا حوارا، أي منذ أن كان الزمن، ومنذ أن كنا في التاريخ، أي إن الوجود في الحوار وفي التاريخ شيء واحد ونفس الشيء.
منذ أن كنا حوارا جرب الإنسان كثيرا وسمى عددا كبيرا من الآلهة، أي التقط إشاراتهم وأبلغها للبشر على نحو ما يسبق النسر العواصف والبروق والرعود، ويعود للأرض لينبئ «الشعب» بمقدم الآلهة، وبهذا يقف روح الشاعر الجسور بين الآلهة والبشر، ولعل مأساة الشاعر ترجع إلى وقفته في زمن المحنة والليل، بين عهد مضى وغابت عنه الآلهة، وعهد آخر ينتظر قدومهم ولم يأت بعد.
ولعل عظمته أن تكون راجعة إلى قدرته على الانتظار والصبر والخشوع، وبهذا كان بحق شاعر المحنة.
منذ أن كنا حوارا جرب الإنسان كثيرا وسمى عددا كبيرا من الآلهة، ومنذ أن كانت اللغة حوارا تكلم الآلهة وظهر العالم في نفس الوقت، ولكن الآلهة لا تتكلم إلا بلساننا، والعالم لا يظهر إلا لنا. ومعنى هذا أن وجود الإنسان ارتبط بوجود الحوار وقام عليه.
Page inconnue