حذرنا كل منافق صنع اللسان.» قد كان لسن الأحنف مؤديا إلى التهمة، ومثيرا للشبهة في نفس عمر حتى تبين له أن الأحنف صادق غير منافق.
وكذلك تجد الوحدان والجماعات أقربها إلى الصدق والجد أقلها كلاما، يشغلها الفعل عن القول، ويغلب فيها الفكر واليد على اللسان. وأقرب الناس إلى البطالة والهزل أكثرهم كلاما، وأذربهم لسانا، إلا قليلا. لو اتصل اللسان بالفكر لقيده الفكر، ولو صحب القول العمل لوقره العمل. ولكن اللسان يتقلب في هواء لا ينفد، ويصرف ألفاظا لا تحد. قول بغير حساب، وقشر ليس فيه لباب.
وكم قال الناس قديما في كثرة الكلام وقلته، وفي ثقله وخفته! وما يتأمل متأمل في أحوالنا إلا يجد تصديق ما قيل، فحركة ألسنتنا تربي كثيرا على حركات العقول والأيدي، وابتكارنا أكثره في الكلام لا في النظام، وفي القول لا في الفعل. رحم الله من جعل عقله على لسانه رقيبا، وعمله على قوله حسيبا.
الثلاثاء 3 شوال/18 يوليو
فتح الرياض
أعدت الحكومة السعودية للاحتفال بمضي خمسين عاما على فتح مدينة الرياض في الرابع من شوال سنة 1319؛ الفتح الذي قامت به الدولة السعودية الحاضرة.
وكان في منهاج الاحتفال نشر كتاب فيه صور المنشآت التي أنشأتها الدولة في الخمسين عاما، وحفلات في المفوضيات السعودية، وضروب من الصدقات في المملكة.
وأذيع قبل موعد الاحتفال بيومين أن جلالة الملك عبد العزيز سأل العلماء فقالوا: لا عيد في الإسلام إلا ما سنه الشرع؛ فعدل عن الاحتفال بالعيد. ولكن البلاد العربية وبلادا أخرى تعنى بشئون المملكة السعودية، كانت أعدت خطة للمشاركة في الحفاوة بهذه الذكرى، فلم تر المملكة السعودية بدا من أن تشارك هي كذلك.
أخبرت أمس أن الإذاعة السعودية ستحتفل بالعيد في موعده ولن تسميه عيدا، وطلبت مني كلمة كنت وعدت بإذاعتها.
كتبت كلمة فيها طرف من مكانة المملكة السعودية، مكانتها التاريخية والدينية، وفيها طرف من سيرة الملك عبد العزيز، وقلت: إنا لا نحتفل بفتح الرياض ولكن بالخمسين عاما التي تلت هذا الفتح ويسر الله فيها ما يسر من الإصلاح والعمران. وإن هذه الخمسين فيها غير وعبر ينبغي أن ينتفع بها في العمل لمستقبل مجيد سعيد لهذه المملكة. والحق أن وراءنا ماضيا حسنا كان فيه التأسيس والتجريب، وأمامنا مستقبلا نرجو أن نجعله للتشييد والانتفاع بالتجاريب. وما خاب من بنى على التجارب، وجعل يومه عدة لمستقبله، وأعماله وسائل متتابعة إلى التقدم والتكمل.
Page inconnue