23

Sharh Siyar Kabir

شرح السير الكبير

Maison d'édition

الشركة الشرقية للإعلانات

Année de publication

1390 AH

وَبَيَانُ هَذَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ ﵁ (١٨ ب) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تُؤْذُوا الْمُجَاهِدِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْضَبُ لَهُمْ كَمَا يَغْضَبُ لِلْمُرْسَلِينَ وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ كَمَا يَسْتَجِيبُ لِلْمُرْسَلِينَ. وَمَنْ آذَى مُجَاهِدًا فِي أَهْلِهِ فَمَأْوَاهُ النَّارُ، وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا إلَّا شَفَاعَةُ الْمُجَاهِدِ لَهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ» . ١٥ - قَالَ وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَهْبَانِيَّةٌ، وَرَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي الْجِهَادُ» . وَمَعْنَى الرَّهْبَانِيَّةِ هُوَ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ وَتَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِعَمَلِ الدُّنْيَا. وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ بِالِاعْتِزَالِ عَنْ النَّاسِ وَالْمُقَامِ فِي الصَّوَامِعِ. فَقَدْ كَانَتْ الْعُزْلَةُ فِيهِمْ أَفْضَلُ مِنْ الْعِشْرَةِ. ثُمَّ نَفَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﵇ بِقَوْلِهِ: «لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ» . وَبَيَّنَ طَرِيقَ الرَّهْبَانِيَّةِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْجِهَادِ، لِأَنَّ فِيهِ الْعِشْرَةَ مَعَ النَّاسِ، وَالتَّفَرُّغَ عَنْ عَمَلِ الدُّنْيَا، وَالِاشْتِغَالَ بِمَا هُوَ سَنَامُ الدِّينِ. فَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ ﵇ الْجِهَادَ سَنَامَ الدِّينِ. وَفِيهِ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَهُوَ صِفَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ تَعَرُّضٌ لِأَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ. فَكَانَ أَقْوَى وُجُوهِ الرَّهْبَانِيَّةِ. ١٦ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَامَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا الْفَرَائِضَ» . يُرِيدُ بِهِ الْفَرَائِضَ الَّتِي يَثْبُتُ فَرْضُهَا عَيْنًا، وَهِيَ الْأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ. وَالْجِهَادُ فَرْضٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ وَكَادَةِ الْفَرِيضَةِ،

1 / 23