قَالَ: وَذُكِرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ. مَا مِنْ رَجُلٍ يُخَالِفُ إلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ إلَّا وَقَدْ وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا خَانَك فِي أَهْلِك، فَخُذْ مِنْ عَمَلِهِ مَا شِئْت. فَمَا ظَنُّكُمْ؟»: فِيهِ بَيَانُ عِظَمِ حُرْمَةِ الْمُجَاهِدِينَ، لِأَنَّ زِيَادَةَ حُرْمَةِ النِّسَاءِ لِزِيَادَةِ حُرْمَةِ الْأَزْوَاجِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦] . وَفِي قَوْله تَعَالَى: ﴿نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣١] .
ثُمَّ إِن مَا اسْتَحَقَّ هَذَا الْوَعِيدَ لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَجَعَلَ أَهْلَهُ أَمَانَةً عِنْدَ الْقَاعِدِ، وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا خَانَ فِي أَهْلِهِ فَقَدْ خَانَ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ سَعَى إلَى قَطْعِ الْجِهَادِ. لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَخُونُهُ فِي أَهْلِهِ لَا يَخْرُجُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ حِفْظَ أَهْلِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عَيْنًا، وَالْقِتَالُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ عَيْنًا، وَمَتَى لَمْ يَخْرُجْ يَنْقَطِعُ الْجِهَادُ فَيَكُونُ هُوَ سَاعِيًا فِي قَطْعِ الْجِهَادِ وَتَقْوِيَةِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلِهَذَا قَالَ: إنَّهُ يُحَكَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عَمَلِهِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ.
ثُمَّ قَالَ: " مَا ظَنُّكُمْ "، يَعْنِي أَتَظُنُّونَ أَنَّهُ يُبْقِي لَهُ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
1 / 22