رَأَيْتُك أَعْرَضْت عَنِّي، فَقَالَ: هَلَّا أَعْطَيْتهَا بَعْضَ أَهْلِك»؟ وَمَا رُوِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: مَا رَأَيْت ذَا لِمَّةٍ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» . فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ كُرِهَ اسْتِعْمَالُهَا لِلرِّجَالِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ، فَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُمْ أَرَادُوهُ لِلْقَضَاءِ مِرَارًا فَلَبِسَ الْمُعَصْفَرَ وَلَعِبَ الشِّطْرَنْجَ وَكَانَ يَخْرُجُ مَعَ الصِّبْيَانِ لِنَظَرِ الْفِيلِ. حَتَّى رَأَوْا ذَلِكَ مِنْهُ فَتَرَكُوهُ. وَقَوْلُهُ: " وَيُشَارِكُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي صَغَارِهِمْ " أَيْ الْتَزَمُوا الْخَرَاجَ وَاشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَقَعَدُوا عَنْ الْجِهَادِ. فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ حُجَّةٌ لِمَنْ كَرِهَ الِاشْتِغَالَ بِالزِّرَاعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ رَأَى شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ فِي بَيْتِ قَوْمٍ. فَقَالَ: مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا حَتَّى كَرَّ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ» (١٦) . وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ عِنْدَنَا إذَا أَعْرَضُوا عَنْ الْجِهَادِ.
فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالِاشْتِغَالِ بِالزِّرَاعَةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَزْدَرَعَ بِالْجَرْفِ، هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ. وَلَا بَأْسَ بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ وَتَمَلُّكِ الْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ، فَإِنَّ الصَّغَارَ فِي خَرَاجِ الرُّءُوسِ لَا فِي خَرَاجِ الْأَرَاضِيِ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَتْ لَهُمْ أَرَاضٍ خَرَاجِيَّةٌ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، وَكَانُوا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ مِنْهَا.
٩ - وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ ﵀ بَعْدَ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ ﵁ أَنَّهُ قَامَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ خُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. أَلَا تَرَوْنَ إلَى إخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ مِصْرَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؟
1 / 15