وها الي قاله الفارسي غيرُ قوى عندى، أحسن منه أن يُحمل على النسب، لأن نظيره كثير، كما قد حكينا عن سيبويه، وتوهم الفعل في مثل نَحِس قليل في كلامهم.
وله أيضًا:
) فَجَعلْت ما تُهدِى إِلىَ هدَّيةً ... مِنىِّ إليكَ وظَرفَها التأْميلا (
يحتمل وجهين. أحدهما: أنه أراد: لما جلَّ قدرك عما تناله يدي ولم تبلغه إلا هبة يدك التي هي كفاؤه، جعلتُ ما تهديه إلى، هدية منى إليك، فما بعدل جلالة قدرك إلا جلالة جودك، وجعلتُ ظرفها تأميلي أن تقبلها منى.
والآخر: أن يكون استحقه فقال: ما علمت أن) ما (تتحفنى به أو تزَوِّدُنِتهِ لرحلتي، سيبلُك أن تمسكه عنى ولا تُطْلِقه، وأن تَعُدَّه هدية مني إليك، وبإمساكك عن إهدائكه إلي.
وله أيضا:
) أمْطِرْ علىَّ سَحَابَ جُودِكَ ثَرَّةً ... وانظر إلىَّ برحمةِ لا أغْرَقُ (
أي إن عطاءك جاوز المقدار، فكاد يقتل المُعطَى فرحًا، فَتَلاف عُفَاتك منه، لئلا يبلغ بهم الْحَسَد المهلك، فيكون كالماء المُغْرق، كقول أبى تمام:
تَستثيرُ الْقلبَ لولا اتصالُها ... بحسنِ دِفاع الله وسوسَ سائلهُ
وقد يجوز أن يكون قوله:) انظر إلى بِرَحمة (أي لا تكلفني من الشكر قدر الواجب فيهلكني ذلك، فكنى عن ضعفه عن الواجب عليه من الشكر بالغَرَق. وقال ثَرَّة وهو يعنى السحاب لأن السحاب جمع سحابة، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء، فلك وتذكيره، وجمعه وإفراده.
وله أيضًا:
) وقَلبُكَ في الدُّنياَ وَلَو دَخَلتْ بِناَ ... وبالْجِنِّ فيه مادَرَتْ كَيف تَرْجِعُ (
يتعجب من ذلك. أي قلبك في الدنيا، وهو من السعة بحيث لو دخلت الدنيا فيه بنا وبالجن، أعجزنا الرجوع، وتُهْنا في سعته، فكيف وسِعَتِ الدنيا قلبك؟ وهلًاَّ ضاقت عن حمله، اصغرها عن عِظمه. يبيِّنُه ما قبله، وهو قوله:
ألَيْسَ عَجيبًا أنَّ وَصفَك مُعجزى ... وَأَنَّ ظُنُوني في معاليك تَظلَعُ
وَأَنَّك في ثوبٍ وصدُرك فِيكُماَ ... عَلَى أنه من ساحة الأرض أَوسعُ
وله أيضًا:
) طويل النجادِ طويل العمادِ ... طويل الْقَناة طويل الْسِّنانِ (
النجاد: حِمالةُ السيف، فطوله كناية عن طول القامة، وذلك مما يُمْدَح به كقوله هو:
قُلُوبُهُمْ في مضاء ما امْتَشَقُوا ... أبدانُهم في تمام ما اعْتَقَلُوا
وكقوله:
وَغَالَ فضُولُ الدِّرع من جَنَباَتِها ... عَلَى بَدَنٍ قَدُّ الْقناةِ لِه قَدُّ
وطولُ العماد: كنيةٌ عن السُّؤْدُد، وأصل العماد: ما عُمد به البيت، أي أقيم. ويقال: عَمَدت البيت وعَمَّدْته، وعماد سيد الحلة: مَرْمُوقٌ يُقْصَد، فكأن عماده، وإن سارى عُمُدَ أهل الحِلّة، أطول بكثير الشائمين له، والقاصدين نحوه. وطول القناة والسِّنان: كناية عن الحِذْف بالطعان. ولهذا وصفت العرب أرماحَها بالطول، يريدون جودة العمل بها، والقوة على تصريفها، لا أنها طوال في ذاتها، لأن طولها مُبْعدٌ عن القِرن، ولا يَحْمدُ ذلك إلا الجبان. ولو كان طول القناة في ذاتها محمودًا، لكان السيف لكونه أقصر منها. . . مذمومًا. وإنما صفة القناة بالطول، كصفة السيف بالطول. لا يؤريدون في كل ذلك إلا الحِذْقَ بالضِّراب والطِّعان.
ومما يدلك على أن طول القناة غير محمود، أن طول القناة قد يُوْؤثها الخَطل قال الأصمعي: طول القناة: أربع عشرة وأقصرًها سبع والممدوح بينهما، وهو ما كان طوله إحدى عشرة كقول الشاعر:
وأسَمْرَ خَطِّياٍّ كأن كُعُوبَه ... ثوى الْقَسْب قد أَربَى ذِراعا عَلَى الْعشْر
وكذلك قال البحتري:
كالرمحِ أذرعُه عَشْر وواحدة ... فما استبدَّ به طولٌ ولا قِصَرُ
) يَرَى حدُّهُ غامضاتِ الْقُلُوبِ ... إذا كنتُ في هَبْوةٍ لا أراني (
1 / 6