أي: يامحبي ثورتي وقيامي بدْولتي، وتركي للأسفار، كيف أفعل ذلك ولم أكسر سيفي، ولا ثَلَمْته بضربي أعدائي به، فكَىَ عن الكسر بالقتل، وعن الثَّلم باُلجرح، إذ الجرح والقتل إنما يلحقان الحيوان، والسيف جماد لا حياة به. وأراد سليمًا من الجرح، فوضع الجَرْحى موضع الجُرْح. وإن شئت قلت كأنه على حذف المضاف، أي سليمًا من ألم الجَرْحى، أو من هيئة جُرح الجْرحى، وبريئًا وسليمًا منصوبان على الحال من قوله:) ما لِذَلِكُم (: أي استفهم عنه وهو في هاتين الحالين، كقوله تعالى:) فَما لَهم عن التّذْكِرَة مُعْرِضين (.
) أَمِطْ عنك تَشْيِيهى بما وكأننَّه ... فما أحدٌ فوقي وَلاَ أحدٌ مِثْلي (
اما) كأن (فلفظة تشبيه، فالكلام بها هنا على وجهه، كانه يقول: لاتقل في: الأسدُ ولا كأنه السيف، ولا كأنه الموتُ أو السيلُ، فكل ذلك إنما هو دوني، ولا ينبغي أن تشبه الشيء بدونه، إنما المعتادُعكس ذلك.
وأما) ما (فليست بلفظة تشبيه بمنزلة كأن، إنما استجازها في التشبيه، لأنه وضع الأمر على أن قائلًا قال: ما يُشبه؟ فقال له المسئول: كأنهَّ الأسدُ، كانه السيف. فكأن هذه التي للمسئول، إنما سببها) ما (التي للسائل. فجاء هو السبب والمسبب جميعًا؛ وذلك لاصطحابهما. ومثل هذا كثيرا.
وقد يجوز أن تكون) ما (هنا بمعنى الجحد، فجعلها اسما، وأدخل الحرف عليها، كأنه سمع قائلًا يقول: ماهو) إلا (الأسد. وفي هذا معنى التشبيه أي مثل الأسد، فأبى هو ذلك. ثم رجع إلى النوع الأشرف فقال) فما أحدٌ فوي ولا أحدُمثلي (مفضلًا نفسه عليهم.
وله أيضًا:
) هَديَّةٌ ما رأيتُ مُهْدِيَها ... إلاَّ رأيتُ العِبادَ في رَجُلِ (
أي هذه هدية، ويجوز هدية على البدل من قوله:) بما بعثت به (. وقوله: ما رايتُ مهديَها إلا رايت الأنام في رجل: أي أن فضائل الأنام مجموعة في شخص واحد منه، فلا مُعْتَبر بالعدد، اذاحاز معانيم أجمعين وحده، كقوله أيضا:
غدا الناس مِثْلَيْهم له لا عَدِمْتُهُ ... وأصبح دهرى في ذَراهُ دُهور
ونحو قول بعض الحكماء وقد رَضِىَ تلميذًا له من بعض تلاميذه، يقال إن ذلك التلميذ) رسْطَا لِيس (فقال: واحد كألف، وليس ألف كواحد، وليس ألف كواحد وقال ابو نوأس:
ليس عَلَى الله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالمَ في واحد
وله:
) ولا وَقَفْتُ بجسمٍ مُسْىَ ثالثةٍ ... ذِى أرْسُمٍ دُرُسٍ في الأرْسمِ الدُرُسِ (
المسُىْ، والمِسَا، والمَسَاءُ، كالصُبح، والصِّبح، الصَّباح. أي لولا هه الظبية الإنسانية، لم أقف على رسوم هه الدار ثلاثا بين يوم وليلة أسألها. ولم يُرد أنهّ وقف عليها بعد ثلاث من إقفارها، لأن الدار لا تدرس بعد ثلاث.
وإنما عنى أنه وقف عليها ثلاثا، وصفته الجسِم بأنه ذو أرسم دُرُس، ذهب فيها إلى وامحِّائه. واستعار له أرْسمًا حين شبهه بهذا الربع الدارس والأرسم، كقوله في صفة الدار:
ما زَالَ كلُّ هَزيم الوَدْقِ يُنْحِلها ... والشوقُ يُنحلنى حتى حَكَت جَسدي
وهذا البيت أبلغ في نحول جسمه، لأنه جعل الدار يحكى جسمه في النحول، فإذا جسمة أنحل منها.
وفي هذا البيت أعنى) ولا وقفت بجسم. . . (لم يجعل لجسمه فضلًا على الدار في النحول.
ودُرس: يجوز أن يكون جمع دَريس وأن يكون جمع دَرُوس، كصبور وصُبُر، وان يكون جمع دارس كَبَازل وبُزُل.
) ما ضَاقَ قَبْلَك خَلْخالٌ عَلَى رَشَأٍ ... ولا سَمِعت بِديباجِ عَلَى كُنُسِ (
يقول أنت كالرشأ في الحسن، وساقُ الرشأ دقيقة، فكيف خالقت أنت الشرأ، بأن ضاق خلخالك عن ساقك. ولو ألبست ساق الرشأ خلخالًا، جال عليها ولم يثبت.
) ولا سمعتُ بديباج على كُنس (: أي على هودَجك سُتُور ديباج. ولم نسمع قبلُ بديباج على كِن اس. إنما الكِناس غُصون أو أسؤق شجر أو مَحَافِر أرض. وأنت قد خَرَقت المعتاد. بكون الديباج على كناسك. ومن رواه على كَنِس، أراد على ذى كناس. وهذا عَلَى النسب، إذ لا فعل له. ونظيره ما حكاه سيبويه: جَرِحٌ، وَسَتِهٌ، وطَعِمٌ وَنَهِرٌ، وأنشد:) لستُ بليليِّ ولكني نَهِره (أي: ذو نهار.
فأما قراءة من قرأ) في أيام نَحِسَاتٍ (، فذهب الفارسي إلى أنه من باب فَرق ونرِق، توهموه على الفعل وإن لم يكن له فعل، لم يقولوا نَحِس النهار.
1 / 5