Explication des aphorismes d'Hippocrate
شرح فصول أبقراط
Genres
البحث الثاني
في ذكر شبه أوردت على هذا العلم والجواب عنها، وهي ثلاثة. أحدها * أنهم قالوا (40) إرادة الله PageVW5P002B تعالى وعلمه أو قدرته في الأزل أو * في (41) الطالع الفلكي على ما تقوله المنجمون إما أن يقتضي حفظ صحة زيد * وأن (42) لا يمرض إلى وقت مخصوص، وإما أن يقتضي تغير مزاجه واختلاله. فإن كان الأول، * فلم تحتج (43) إلى علم الطب لأن الصحة باقية * في البدن المذكور بدون استعمال قوانينه. وإن كان الثاني، لم يفد استعمال الطب (44) . والجواب عن هذا * نقول (45) كما أن الله تعالى قدر وجود الصحة، جعل استعماله لها على ما ينبغي سببا للصحة. ويقال لقائل هذه * الشبه (46) تلزمك أن تستريح من تكلفات المأكل والمشارب. وذلك لأن الأمور المذكورة إما أن تقتضي شيئا من * الشبع والري (47) أو لا تقتضي شيئا من ذلك. فإن اقتضت، فلا حاجة إلى استعمال ذلك. وإن كان الثاني، فلا حاجة إلى استعمالها أيضا لأنه يكون عبثا. وكل ذلك محال لأنه يلزم منه أن يكون وجود الأغذية * والأشربة (48) عبثا. وهذا قول بالتعطيل وهو خطأ محض. الشبهة الثانية أنهم قالوا لو كان الطب علما نافعا في حفظ الصحة وإزالة المرض، لكان الطبيب الفاضل قادرا على دفع الموت عن نفسه. لكن ذلك محال * فأن (49) أبقراط وغيره من أئمة الطب عجزوا عن ذلك. والجواب عن * هذا (50) أن نقول، كل علم فله غاية، * والطب علم فله غاية (51) . ولكن * ليست (52) غايته دفع الموت. فإن هذا غير ممكن على ما ستعرفه. ولا يلزم من انتفاء هذه الغاية انتفاء مطلق الغاية، إذا لا يلزم من انتفاء الخاص انتفاء العام. فإنه لا يلزم من انتفاء الإنسان انتفاء الحيوان. بل نقول غايته دفع الأسباب المعجلة للتجفيف لا الموجبة له، وهو منع العفونة وحفظ الرطوبة الأصلية من التحليل بقدر الإمكان. وذلك باستعمال الستة الضرورية على ما ينبغي في الكمية والكيفية والوقت والترتيب. وقد أوضحنا هذا القول في كتبنا المبسوطة إيضاحا شافيا الشبهة الثالثة أنهم قالوا: الأطباء مجمعون ومتفقون على أن أكثر قوانين الطب حدسية ظنية. وهذا أمر ظاهر، فإنه متى حضر جمع من الأطباء لمباشرة مريض وأحضر * واحد (53) واحد منهم، فإن * كلا (54) منهم يصف ما لا يصف الآخر ولا يحصل الاتفاق بينهم إلا نادرا. وعلم يكون حاله كذلك * خطأ (55) صاحبه أكثر من إصابته. وما كان كذلك، فلا حاجة إليه البتة لأنه يكون حاله * حال (56) المجرب لشيء في شيء بغير علم ومعرفة. والجواب عن هذه * الشبه (57) أن التقصير المذكور وخفي ما يخفى من أحوال البدن حتى * صار (58) أكثر قوانين العلاج حدسا وتخمينا ليس * هو لتقصير الصناعة (59) في نفسها، بل لعجز الطالب عن إدراك فروعها وقوانينها على ما ينبغي. * وكذلك صار (60) الجمع PageVW1P003B من الأطباء يختلفون فيما يأمرون به المريض من المداواة لأن كلا منهم يقع له من المداواة غير ما وقع للآخر بسبب أن هذا قد أدرك من الأعراض ومعرفة المريض ما لا * أدركه (61) الآخر. وكذلك متى جمع بين الفضلاء المحققين منهم، وقع اتفاقهم على نوع واحد من المعالجة. ومع هذا فاستمرار الأشخاص وبقاؤهم مناف للحكمة. وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها تخليص الأنفس من شقاوة الأبدان. فإن النفس إما أن تكون سعيدة أو شقية. فإن كانت سعيدة، فخلاصها أصلح لاتصالها بسعادتها. وإن كانت شقية، فخلاصها * أيضا (62) أصلح خوفا من زيادة شقاوتها. وثانيها أن أشخاص نوع الإنسان متحدون في الطبيعة الإنسانية PageVW5P003A . وإذا كان كذلك، فليس بقاء بعضهم واستمراره أولى من بقاء البعض الآخر واستمراره. فإنه لو كان كذلك، كان ترجيحا * من (63) غير مرجح ,وذلك محال. وثالثها لو جاز ذلك، لجاز أن ينبغي أن يبقى الظالم المتحكم في الدنيا فيدوم شره وإفساده. وذلك لا محالة * مؤد (64) إلى الفساد والخروج عن مقتضى الحكمة. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يتصور أن يكون علم الطب دافعا لما تقتضيه الحكمة وتريده حتى يكون غاية ما ذكره المعترض.
البحث الثالث:
في عمر الإنسان. اعلم أن العمر عبارة عن زمان تعلق النفس الناطقة بالبدن وتصرفها فيه. وهو مدة * الحياة (65) بحسب المشهور. ثم هو على نوعين: طبيعي وغير طبيعي. والطبيعي مدته مائة وعشرون سنة. وغير طبيعي هو ما نقص عن ذلك. ومدته في غالب * الأحوال (66) ما بين الستين إلى السبعين. والطبيعي * إذا (67) اعتبر حاله، * كان النقصان (68) فيه ضعف مدة الكمال لأن كمال الإنسان في أربعين سنة. وصار * ذلك (69) لوجهين. أحدهما من جهة المادة، وهو أنها في زمان الشيخوخة يكون * قد (70) استولى عليها اليبس والجفاف. وعند ذلك يشتد حفظها لما * هو (71) حال فيها من الصور وغيرها، * فيشتد (72) حفظها لما بقي فيها من الحرارة. * والثاني (73) من جهة الطبيعة، وهو من شأنها أن * تبادر (74) إلى حفظ الأفضل وتذب عن الأنقص. ولا شك * أن بقاء (75) العمر عندها أفضل من * انتفاؤه (76) , فهو مطلوب لها والحرارة ناقصة وهي تذب عنها. * وقلما (77) * يتجاوز (78) العمر المدة المذكورة. والعمدة في هذا على الاستقراء. وأما ما جاء في التواريخ من طول الأعمار، وصدقته الكتب الاهية، فقد قيل فيه أقوال. أما المنجمون فقالوا الطوالع الفلكية في ذلك الزمان كانت تقتضي تلك الأعمار. وأما الأطباء فقالوا لعل كان حسابهم للسنين والأشهر أقل من حسابنا الآن. وأما أرباب الملل فقالوا فذلك لأن العالم كان في ابتدائه وكان نوع الانسان قليل العدد, فطول الله تعالي الأعمار ليكثروا ويتكامل نوع الانسان. وهذا هو الحق.
البحث الرابع:
العمر الطبيعي قليل الوجود, وذلك لأنه موقوف على عدة شروط متعذرة الاستعمال. ولا شك أن الموقوف على المتعذر الوجود متعذر الوجود. وتلك الشروط سبعة. أحدها أن يكون الشخص * عارفا (79) بقوانين الطب ليعلم النافع فيستعمله والضار فيتجنبه. وثانيها أن يكون * موسرا (80) ، فإن المقل لا يمكن أن * يستعمل ما يجب استعماله (81) في حفظ صحته من الأغذية الشريفة وغيرها. وثالثها أن يكون ذا فراغ لأن المشغول بخدمة غيره، فلا يمكنه استعمال ما يجب في وقته. ورابعها أن يكون سمحا فيما يصرفه في تدبير بدنه. فإن البخيل * لم (82) يسمح نفسه باستعمال الأغذية الشريفة وغيرها. وخامسها أن يكون ضابطا نفسه، فإن الشرة لا يمكنه * ضبط (83) نفسه * عن ما (84) لا يجب استعماله. وسادسها أن لا يكون مشغولا بطريقة الزهد، فإن من كان مشغولا بذلك كان كثير الصيام. وذلك * مما (85) يمنعه من استعمال ما يستعمله في وقته. وسابعها أن يكون * مقامه في مسكن معتدل من أقليم معتدل (86) ، فإن غير المعتدل مناف لحال الشخص * المشار إليه (87) . ولا شك أن هذه الشروط قلما يجتمع في شخص واحد. وإذا كان حالها كذلك، كان المرتب عليها قليل الوقوع. * فالعمر (88) PageVW1P004A الطبيعي قليل الوجود. وبهذا يجاب عن إشكال مقدر، وهو أنه لقائل أن يقول: الطبيعة PageVW5P003B المدبرة للبدن شأنها تحصيل * كمالات (89) * (90) من جلب النافع ودفع الضار. ولا شك أن * العمر (91) المشار إليه من القدر المذكور، * فلم لا يكون حصوله دائما أو أكثريا؟ فالجواب أن نقول العمر المذكور له محصل وله معين (92) ، فالمحصل الطبيعة المذكورة والمعين ما ذكرناه من الشروط. وقد علمت أن تلك الشروط متعذرة * الاجتماع (93) في شخص واحد. * وإذا كان كذلك فالعمر (94) الطبيعي متعذر الوجود لتوقفه عليها.
البحث الخامس
في بيان قصر هذا العمر. اعلم أن الشيء لا يوصف بالقصر إلا إذا كان متناهيا, فنحتاج أن نذكر ما يدل على تناهي عمر الإنسان. وذلك من وجوه أربعة. أحدها أن البدن * مركب (95) من أجزاء مختلفة الصور طالبة الانفكاك والافتراق. وإذا كان حالها كذلك، فاجتماعها والتئامها في البدن قسري وهو غير طبيعي، فليس هو بدائم، فالطبيعي افتراقها وانفكاكها. وثانيها البدن الغالب عليه من الكيفيات الحرارة والرطوبة. أما الرطوبة، فلأن تهيئه لقبول النمو. وأما الحرارة، فلتنضج غذاوه وتصلحه وتشبهه به، وهي مع ذلك مبخرة ومحللة للرطوبة المذكورة. ثم إن ذلك يتزايد على ممر الأيام إلى أن يتلاشاى البدن * ويضمحل (96) ويحصل الموت. وثالثها أن الصحة صورة طبيعية حالة في موضوع، وهو بدن الإنسان. وهو أخذ دائما في التحليل والتلاشى. * والموجب (97) لذلك بعضه وارد عليه من خارج والبعض * الآخر (98) من داخل. والأول علي نوعين: ضروري وغير ضروري. * فالضروري (99) مثل تحليل الهواء لرطوباتنا. فإن الهواء وإن كان في بعض الآفاق باردا، غير أنه لا يبلغ في برده في الآفاق المعمورة إلى أن لا يحلل شيئا. بل هو يحلل دائما بما يستفيده من تسخين الشمس وقوى الأجرام الفلكية ومثل الحركات البدنية والنفسانية التي لا بد للإنسان منها في حال حياته. * والغير الضروري (100) العرضية مثل إيراد * السم (101) على البدن * وقطع السيف والبرد المجمد (102) وغير ذلك من الأسباب العرضية. * والكائن (103) من داخل أيضا على نوعين: ضروري وغير ضروري. فالضروري مثل تحليل الحرارة وفعلها دائما في رطوباتنا. فإنها بطبعها محللة. وغير * الضروري (104) مثل الرطوبة الغريبة المتولدة عن أغذيتنا. فإن مثل هذه الرطوبة تضاد الغريزة من وجهين. أحدهما الخنق والغمر، والآخر بمضادة الكيفية. فهذه الأسباب كلها متعاونة متعاضدة على تحليل رطوباتنا الغريزية. * ويلزم من نقصانها نقصان الحرارة الغريزية (105) لضرورة نقصان المحمول لنقصان الحامل. فإن قيل * فلم (106) لا تورد القوة ا لغاذية بدل ما يتحلل من البدن؟ فنقول: القوة الغاذية ولو أوردت بدل ما يتحلل على السواء، غير أن التحلل يزداد دائما. فلم يكن ما تورده القوة مساويا لما يتحلل. فإن عاد المعترض. وقال: ازدياد التحلل إما لازدياد المتحلل أو لضعف القوة عن * الازدياد (107) . والأول محال. فإن الأسباب المحللة وهي التي ذكرناها وجودها في سن الشباب كوجودها في سن الكهول. وإذا لم تزدد، استحال ازدياد التحلل. والثاني باطل. فإن الغاذية إلا تضعف إلا لنقصان الحرارة والرطوبة. فلو عللنا نقصانها بضعف الغاذية، لزم الدور. قلنا: PageVW5P004A الجواب عن الأول أن الأسباب المحللة, وإن لم تزدد غير أنه متى طال زمان تأثيرها، قوي أثرها، فكان فعلها أقوى وأبلغ. فلذلك صار التحلل يزداد ويكثر. والجواب عن الثاني أنا لم نعلل ضعف الغاذية بما ذكر، بل نقول القوة الغاذية * تضعف (108) لنقصان الحرارة والرطوبة. وهما ينقصان لاستيلاء الأسباب المجففة, وهي التي ذكرها. ويلزم من استيلاء التحلل استيلاء الجفاف ثم الموت. * ورابعها (109) * أن (110) يقال بقاء البدن بدون الغذاء محال على ما دل عليه الاستقراء. ثم الغذاء ليس هو * شبيها (111) بالبدن * ولا (112) بد له من مشبه، والمشبه له هو القوة الغاذية، وهي جسمانية لأنها حالة في الأجسام. وكل قوة جسمانية فإنها متناهية الفعل بحسب العدة والمدة والشدة. وأما بيان تناهي القوة المذكورة في هذه الأمور والفرق بينها, فقد ذكرنا ذلك جميعه في شرحنا لكليات القانون. وأوردنا هناك بحوثا لا يليق ذكرها * في (113) هذا الكتاب.
البحث السادس:
قال الفاضل جالينوس: إنما قال أبقراط العمر * قصير (114) بالإضافة إلى PageVW1P004B طول الصناعة * فإنها طويلة (115) على ما سنوضحه. * أقول إن (116) هذا القول من جالينوس يفضي إلى امتناع تحصيل الصناعة. وذلك أنه كان جملة العمر قصيرا * بالقايس (117) إلى طول الصناعة، فتكون الصناعة أطول من أن يستقصى معرفتها في جملة العمر، مع أن العالم بها يكفيه تحصيل العمل بها في بعض عمره والعمل بها في البعض الآخر. وعلى ما قاله، يلزم أن يكون ما يعلم منها في ذلك البعض قليلا لا يكفي من حصول الغرض المطلوب في تحصيلها مع أن الأمر على خلافه. فإن الطبيب إذا * حصل (118) الأصول، تنبه على الطريقة في استخراج ما يحتاج إليه من الفروع. وما يبقى منها من الأمور التي تحتاج إليها في حفظ الصحة وغير ذلك يمكنه استخراجه مقايسا على ما علمه من الأصول. فالقول إذا * بذلك (119) التعليل * باطل (120) . والحق عندي أن يقال إن العمر في نفسه قصير من غير أن يؤخذ مضافا إلى الصناعة.
Page inconnue