158

في صلة هذا * الفصل (428) بما قبله: وهو أن حكم هذا الفصل مقابل لحكم الفصل المتقدم، وذلك لأنه بين في الأول حكم الفصل إذا كانت رطوبته أزيد، وهاهنا بين حكمه إذا كانت يبوسته أزيد لأنه قد علم أن المراد بالهواء الرطب هو الذي خالطته أبخرة مائية أو استحال إلى مشاكلة الطبيعة المائية، وبالهواء اليابس هو ما * تفششت (429) عنه تلك الأبخرة أو * خالطته (430) أجزاء دخانية.

البحث الثاني:

مادة حميات العفن * هي (431) الرطوبات PageVW5P139B الغريبة المستفادة. * أما (432) من خارج * فمن (433) كثرة الأمطار أو مجاورة مياة غمرة. وأما * من (434) داخل كالإفراط في استعمال الأغذية المرطبة. ومثل هذه الأمراض تكون طويلة المدد أي مزمنة، وتكون أعراضها هادية لأنك قد عرفت أن الحرارة إذا كانت مقارنة لمادة رطبة كانت كيفيتها منكسرة الحدة. فإذا احتبس المطر نقصت الرطوبات فتكون الأمراض الحادثة عنها قصيرة المدد أي حادة، وسورتها قوية لأن الحرارة مقارنة لجسم قليل الرطوبة فالحاصل من هذا أنه إن فهم من الحدة قصر المدة فهو حق، وإن فهم * منها (435) شدة الأعراض وقوة سورتها فهو أيضا حق.

البحث الثالث:

قوله «وإن كثر ذلك الاحتباس في السنة كانت الحدة أكثر»، وذلك لدوام تأثير المؤثر غير أنه لقائل أن يقول لماذا قال «فينبغي أن يتوقع في أكثر الحالات حدوث هذه الأمراض وأشباهها» ولم لا قال «فتوقع في كل الحالات هذه الأمراض * وأشباهها» (436) لأن السبب قوي وعام؟ فنقول: وذلك لأن الاحتباس إنما يوجب حميات حادة إذا كان قد * تقدمه (437) مجيء مطر بحيث أن يكون في البدن رطوبات حتى إذا أفرط الاحتباس أفرطت تلك * الرطوبات (438) في الحدة * فتكون (439) الحمى الحادثة عنها حادة * إذا (440) لم يتقدم ذلك الاحتباس مطر، * ففي (441) هذه الصورة لا يكون في البدن ما يحتد باحتباس المطر بل تكون الاخلاط قليلة جدا. وفي غالب الحال عند حصول هذا * الأمر (442) تكون الحمى الحادثة * عنها (443) * في (444) هذا الوقت حمى دق لا حمى * عفن (445) غير أن الأول هو الأكثري الوجود، فلذلك قال «فينبغي أن * يتوقع (446) في أكثر الحالات * حدوث (447) هذه * الأمراض (448) وأشباهها» أي التي تشابه الحميات الحادة من باقي الأمراض.

البحث الرابع:

قوله «وحدث في الهواء حال يبس»، وذلك لأن بعض البلدان * تجاورها (449) مياه كثيرة ساكنة وجارية فهواء مثل هذا البلد لا يكون يابسا، فلأجل هذا قال «فإن حدث في الهواء حال يبس» أي إن صادف أن يكون البلد مع ذلك * لا (450) يجاوره شيء من المياه فإن أهلها يحدث * بهم (451) ما ذكرناه، وإنما قال «حال يبس» ولم يقل «يبس»، لأن مفهوم اليبس لا يصح أن يوصف به الهواء لأنك قد عرفت أن المراد باليبوسة هاهنا للهواء * تفشيش (452) الأجزاء البخارية أو مخالطة أجزاء دخانية. ولا شك أن السنة متى احتبس المطر فيها كثر الغبار * والدخان (453) فحدث في الهواء حال يبس أي أمر زائد على مفهوم الهواء ذلك الأمر يابس.

البحث الخامس:

لقائل أن يقول: هذا الكلام فيه نظر من وجهين: أحدهما قوله «إذا احتبس المطر حدث كذا وكذا»، هذا الاحتباس إما أن يكون في الوقت الذي يجب أن يحتبس فيه أو لا * يكون (454) في الوقت الذي يجب أن يحتبس * فيه (455) ، فإن كان الأول فلا يضر احتباسه لجريان الأوقات على * طبائعها (456) ، وإن كان الثاني فيبعد حدوث الحميات * الحادثة (457) فيه، وذلك لأن هذا الوقت يكسر * من (458) حدة المادة ويغلظ قوامه PageVW5P140A بمنعه من تحليل لطيفها؛ وثانيهما هذا الحكم يناقض ما يقوله فيما بعد قلة المطر أصح من كثرته وأقل موتا. قلنا الجواب عن الأول إن أبقراط لم يرد بقوله * «حدثت (459) حميات حادة» في الفصل الذي يتوقع فيه المطر ويحتبس فيه بل مراده بهذا الحكم أن المطر إذا احتبس في وقته اشتد يبس الهواء وعند ذلك تنقص رطوبات الأبدان، ومع ذلك تكون جافة يابسة. فإذا جاء الفصل المناسب لحدوث الحميات التي ذكرها كالصيف والخريف والأبدان كذلك فإن الحميات التي تحدث في * تينك (460) الوقتين تكون حادة أي قصيرة المدة لقلة المادة الموجبة لها وتكون * شديدة (461) اللذع ليبسها أيضا. والجواب عن الثاني: فرق بين الاحتباس والقلة، فإن أبقراط لم يقل في هذا الفصل PageVW1P078A «إذا قل المطر حدث كذا وكذا» حتى يكون هذا الفصل مناقضا لما بعد، بل قال «إذا احتبس» والاحتباس غير القلة. * والله (462) أعلم.

8

Page inconnue