وإذا فصل بينهما في البيت لم يختل به لفظًا ولا معنىً، كما أنه إذا سوي بينهما لم يختل معنىً ولا لفظًا، فكأنه لا حجة فيه لواحدٍ من القولين. والقصد في الدعاء بالسقيا إلى أن يمد الله المدعو له بما يزيد في نمائه ونضارته. ألا ترى الآخر قال لما دعا على ما تسخطه:
إذا سقى الله أرضًا صوب غاديةٍ ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم
فذكر ما يحرق ويستأصل.
وإن دعوت إلى جلى ومكرمةٍ ... يومًا سراة كرام الناس فادعينا
جلى فعلى، أجراها مجرى الأسماء ويراد بها جليلةٌ. كما يراد بأفعل فاعلٌ وفعيلٌ، نحو قوله تعالى: " وهو أهون عليه "، أي هين؛ وكما قال:
فتلك سبيلٌ لست فيها بأوحد
أي بواحدٍ؛ وكقولك: الله أكبر، تريد كبير. يقول: إن أشدت بذكر خيار الناس بجليلةٍ نابت، أو مكرمةٍ عرضت وسنحت، فأشيدي بذكرنا أيضًا. وهذا الكلام ظاهره استعطافٌ لها، والقصد به التوصل إلى بيان شرفه واستحقاقه ما يستحقه الأفاضل الأشراف، والأماثل الكرام. ولا سقى ثم ولا تحية ولا دعاء ولا مغاثة. ألا ترى كيف اشتغل بمقصوده من الافتخار فيما يتلو هذا البيت. وهم كما يتخلصون من التشبيبات وغيرها إلى أغراضهم على اختلافها فإنهم قد يتوصلون بمبادئ كلامهم إلى أمثالها، فتقل المؤونة، وتخف الكلفة. ولهذا نظائر وأشباهٌ تجيء فيما بعد. والسراة في الناس، والشراة بالشين معجمةً في المال والخيل. وفي حديث أم زرع: " فنكحت بعده رجلًا سريًا، ركب شريًا، وأخذ خطيًا، وأراح على نعمًا ثريًا ". والجلى بالألف واللام: تأنيث الأجل، كما يقال الأكبر والكبرى، وكما قيل السبع الطول جمع الطولى. ولا يحذف الألف واللام منه حينئذ، لأن أصله يكون أفعل الذي يتم بمن. ويقال لكل ما علا شيئًا: جلله، ومنه الجلالة.
1 / 76