يخزيه ويكسبه الذل. فهاتان الخصلتان هما اللتان أشار إليهما بقوله هما خطتان؛ وقد ثلثهما بخطة أخرى ذكرها فيما بعد. وفي هذا الكلام تهكم وهزء. وقوله: والقتل بالحر أجدر يسمى اعتراضًا لوقوعه بين ما عدده من الخصال.
وأخرى أصادي النفس عنها وإنها ... لمورد حزم إن فعلت ومصدر
المصاداة: إدارة الرأي في تدبير الشيء والإتيان به على أتقنه، ومنه يقال: إنه لصدى مال، إذا كان حسن القيام به. يقول: وها هنا خصلة أخرى أداري نفسي فيها، وأداورها عليها، وإنها للموضع الذي يرده الحزم ويصدر عنه إن فعلت. وهذا إنما قسم الكلام هذه الأقسام لأنه رآهم يبنون أمره عليها، ولأنه نظر إلى جهتي الجبل فعلم أنه إن رضي الطريق التي عليها بنو لحيان لنفسه طريقًا كان فيها إحدى الحالتين: من الأسر أو القتل، على ما كانوا يزعمون ويقولون. وإن احتال للجهة الأخرى والحزم فيها، لأن خلاصه منها، كان أمرًا ثالثًا. ثم اقتص ما فعله. وقوله وإنها لمورد حزم اعتراض أيضًا، لوقوعه بين قوله وأخرى أصادى النفس عنها، وبين تبيين كيفية مزاولته لها وشرحها.
فرشت لها صدري فزل عن الصفا ... به جؤجؤ عبل ومتن مخصر
الفرش: البسط، ثم توسعوا فيه فقالوا: فرشته أمري، وافترش لسانه فتكلم كيف شاء. وقوله لها الضمير للخصلة التي عبر عنها بقوله وأخرى. يقول: فرشت من أجل هذه الخطة صدري على الصفا. وهذا حين صب العسل فزلق " به " عن الصفا. أي بصدره صدر ضخم ومتن دقيق، والصدر والمتن صدره ومتنه، ولكن أخرجه مخرج قولهم: لقيت بزيد الأسد، وزيد هو الأسد عندهم. ووضع فرشت موضع ألقيت ووضعت. ويقال: فرشت ساحتي بالآجر، وافترشت الشاة للذبح إذا أضجعتها. وذكر بعضهم أنه يجوز أن يكون الضمير من لها للصفاة، والكلمة مقلوبة، والمعنى فرشتها لصدري. وفي هذا إضمار قبل الذكر والقلب، وإذا كان كذا فالأول هو الوجه.
فخالط سهل الأرض لم يكدح الصفا ... به كدحة والموت خزيان ينظر
الخلط أصله تداخل أجزاء الشيء في الشيء، وقد توسع فيه حتى قيل: رجل خلط، إذا اختلط بالناس كثيرًا. وجاء في الحديث: لا خلاط ولا وراط، وفي
1 / 62