فيال رزام رشحوا بي مقدمًا ... إلى الموت خواضًا إليه الكتائبا
ويروى: " الكرائبا ". الفاء من قوله " فيال رزام " النية بها استئناف ما بعدها وإن نسق بها جملة على جملة. واللام من يال رزام، هو لام الاستغاثة، ورزام ينجر به وهم المدعوون. وأصل حركة لام الإضافة إذا دخل على ظاهر الكسر، ولهذا إذا عطف على الام بلام أخرى كسرت الثانية، تقول: يالزيد لعمرو، ولكن هذه فتحت لكون ما بعدها منادى، ووقوع المنادى على هذا الحد موقع المضمرات، فكما قيل لك وله، قيل يالزيد. وقوله " رشحوا بي مقدما " بكسر الدال بمعنى متقدما، فهذا كما يقال وجه بمعنى توحه، ونبه بمعنى تنبه ونكب بمعنى تنكب. وعلى هذا قولهم مقدمة الجيش، ومن فتح الدال فالمعنى على أنه يقدم ليقيهم بنفسه. " خواضًا إليه الكتائبا "، انتصب الكتائب على أنه مفعول خواص. ويروى " الكرائب " وهي الشدائد جمع كريبة، والأصل في الكرب: الغم الذي يأخذ بالنفس. والترشيح أصله التنبيت والتربية، ومنه قيل رشحت المرأة ولدها إذا درجته في اللبن، ثم قيل رشح فلان لكذا، توسعًا. ومعنى البيت: يا بنى رزام هيئوا بي رجلًا يتقدم إلى الموت ولا يحيد عنه، مقتحما الجيوش والشدائد غير متنكب ولا حائد. ويروى: " رشحوا بي مقدمًا "، وتلخيصه: رشحوا بترشيحكم رجلًا هذه صفته، فأقام الصفة مقام الموصوف.
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... ونكب عن ذكر العواقب جانبا
قوله: " ألقى بين عينيه عزمه "، أى جعله بمرأى منه لا يغفل عنه، وقد طابق في المعنى لما قابل قوله ألقى بين عينيه عزمه، بقوله: نكب عن ذكر العواقب جانبا. ومثله قول الآخر:
ولا ناظر عند الوغى في العواقب
وانتصب " جانبا " على أنه ظرف. ونكب يكون بمعنى تنكب. والمعنى أنه إذا هم بالشيء جعله نصب عينيه إلى أن ينفذ فيه ويخرج منه، ويصير في جانب من الفكر في العواقب. ويجوز أن ينتصب جانبا على المفعول، ويكون نكب بمعنى حرف. والمراد انحرف عن ذكر العواقب وطوى كشحه دونه. وسمي المعزوم عليه عزما على عادة العرب في وصف الفاعل والمفعول بالمصادر.
1 / 56