الموت ثم يتوسطها ويصبر فيها ولا يعدل عنها. وإنما قال " ابن حرةٍ " لينبه على زوال الهجنة منه، وخلوص مولده مما يشوبه، وليصير كرمه مهيجًا لأنفته، ومصبرًا له على كل ما يدفع إليه من الشر إلا أن يزيله. ولأن ما يستنكف منه العرب هو الهجة إذ كان من ليس أبوه من العرب خارجًا من أن يكون عربيًا. والغماء والغم والغمة والغمم مرجع جميعها إلى التغطية. فإن قيل: لم عطف الزيارة على رؤية الغمرات بحرف المهلة، وهلا جعلها عقيب الرؤية؟ قلت: إن " ثم " وإن كان في عطفه المفرد على المفرد يدل على التراخي فإنه في عطفه الجملة على الجملة ليس كذاك. ألا ترى قوله ﷿: " وما أدراك ما العقبة. فك رقبةٍ. أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبةٍ. يتيمًا ذا مقربةٍ. أو مسكينًا ذا متربةٍ. ثم كان من الذين آمنوا ". ولا يجوز تراخي الإيمان عن شيء مما عدده وذكره.
تقاسمهم أسيافنا شر قسمةٍ ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها
وضع " قسمةٍ " موضع مقاسمة، أراد شر مقاسمةٍ. وانتصاب " شر " على المصدر. والغواشي: القوائم، وتكون الأغماد أيضًا. والصدور، أراد بها المضارب، وإنما قال: شر قسمةٍ، لأن من حمل على مثل هذه القسمة فيما يقاسم عليه كان الشر له. وهذا أيضًا مثل قوله:
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبلٍ
والمعنى قاسمناهم سيوفنا ففينا مقابضها وفيهم مضاربها.
وقال أيضًا:
هواي مع الركب اليمانين مصعدٌ ... جنيبٌ وجثماني بمكة موثق
هذه الأبيات ضمنها هذا الباب اما اشتملت عليه من حسن صبره على البلاء، وقلة ذعره من الموت والفناء، واستهانته بوعيد المنوعد وحذقه برسفان المقيد. و" هواي " ياء الإضافة فتحت منه على الأصل، وذاك أن هذه الياء لما كان ضمير اسمٍ على حرفٍ واحدٍ متطرف كرهوا أن تسكن فتختل فجعلوا من أصله التحريك، فإذا كان
1 / 40