يمتنع من تطاول المدى في رجاء العمر أن يقصر في نفسه وينقطع عن المأمول فيه. ويجوز أن يتعلق الحال الذي دل عليه " والمدى متطاول " بإن جضنا. والتقدير لم ندر إن جضنا مدانا متطاولٌ كم العمر باقٍ أي مدى رجائنا. وهذا حسنٌ عندي. ويجوز أن يكون الواو عاطفةً كأنه قال: لم نعلم كم العمر باقٍ وكم المدى متطاولٌ إن جضنا. وحكي عن بعض المتأخرين أنه فسر العمر على أنه الحين، قال ومنه قوله تعالى: " فقد لبثت فيكم عمرًا " وهذا إذا حقق يرجع إلى الأول.
إذا ما ابتدرنا مأزقًا فرجت لنا ... بأيماننا بيضٌ جلتها الصياقل
يقول: إذا ما استبقنا إلى مضيق في الحرب وسعته لنا سيوف مصقولة بأيماننا والفائدة فى قوله " جعلتها الصياقل " اهتماتهم بإصلاح آلات الحرب، لدوام مزاولتهم لها. وجعل الفعل للسيوف على المزاج والسعة.
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبلٍ ... ولي منه ما ضمت عليه الأنامل
هذا مثل قوله:
منابرهن بطون الأكف ... وأغمادهن رءوس الملوك
وإن كان فى هذا تقسيم خلا منه المشبه. ولك أن تروى " ما ضمت عليه الأنامل " و" ضمت "، فإذا قلت ضمت فالمعنى ضبطت عليه الأنامل.
وإذا قلت فالمعنى قبضته الأنامل. والبطحاء والأبطح: مسيل فيه دقاق الحصى واسع. وهما صفتان أخرجتا إلى باب الأسماء. وبطحاء مكة وأبطحها معروفان، والتأنيث والتذكير فيهما يحملان على البلدة والبقعة، والبلد والمكان، إلا أنه لايقال مكان أبطح ولا بقعة بطحاء. ويقال: تبطح السيل، إذا سال عريضًا. فأما " سحبل " فاسم موضعٍ أضيف البطحاء إليه، كما يقال صحراء سحبل. ويقال ضب سحبل، إذا كان عريض البطن. ولا يمتنع أن يكون المكان سمى به لاتساعه.
وقال أيضًا:
لا يكشف الغماء إلا ابن حرةٍ ... يرى غمرات الموت ثم يزروها
معنى " يرى غمرات الموت " أن يتحققها بالممارسة حتى يصير كأنه أدركها بحاسة العين وشاهدها، فيقول: لا يكشف الخصلة الشديدة إلا رجلٌ كريم يرى قحم
1 / 39