قوله بضرب يؤلف وقد وقع المنع والضرب جميعًا حكاية حال، لولا ذلك لقال: بضرب ألف. ومثله في القرآن: " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ". يقول: هؤلاء القوم الذين أشرت إليهم بقولي: فوارس صدقوا فيهم ظنوني، هم الذين منعوا حمى هذا المكان بضرب يجمع بين المنايا المتفرقة. وهذا تقييد بعد إطلاق، وتخصيص بعد تعميم: والحمى: موضع الماء والكلأ. ويقال: أحميت المكان، أي جعلته حمى. وحميته: ذببت عنه. وقوله يؤلف من صفة الضرب، ويحتمل وجوهًا: ويجوز أن يكون المعنى إن هؤلاء لو بقوا في أماكنهم ولم يجتمعوا في هذه المعركة لوقعت موتاهم متفرقة في أمكنة متغايرة، وأزمنة متفاوتة، فلما اجتمعوا تحت الضرب الذي وصفه صار الضرب جامعًا لتلك المنايا ووجوهها. وحكي عن أبي سعيد الضرير أن المعنى إذا وقع بهم ألف بين أقدارهم التي قدرت عليهم. ويجوز أن يكون المعنى أن أسباب الموت مختلفة، وكأن هذا الضرب جمع بين الأسباب كلها. ويجوز أن يكون المراد ضربًا لا ينفس المضروب ولا يمهله، لأنه جمع فرق الموت له. وقوله أشتاب المنون واحدها شت. والمنون: الموت، وهو من مننت أي قطعت.
فنكب عنهم درء الأعادي ... وداووا بالجنون من الجنون
نكب قد جاء متعديًا إلى مفعولين، قال أوس:
نكبتها ماءهم لما رأيتهم ... صهب السبال بأيديهم بيازير
والأكثر نكبت عن كذا. يقول: حرف عن هؤلاء القوم هذا الضرب اعوجاج الأعداء وخلافهم، وداووا الشر بالشر. وهذا كما يقال: الحديد بالحديد يفلح. وكما قيل: لايفل الحديد إلا الحديد. وأصل النكب: الميل، ولذلك يقال نكبت الإناء، إذا أملته. ونكب الرجل نكبةً. وعلى هذا النكباء في صفة الريح: والدرء، أصله الدفع، ثم استعمل في الخلاف، لأن المختلفين يتدافعان. ومثله:
وقومت عنه درأه فتنكبا
1 / 35