شرح الحموية لابن تيمية - الراجحي
شرح الحموية لابن تيمية - الراجحي
Genres
أنواع قرب الله من عباده
واختلف أهل العلم في أنواع القرب الوارد في الآيات فذكر الإمام شيخ الإسلام ﵀ أنه لا يأتي إلا خاصًا، أما قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:١٦]، فهذا قرب ذوات الملائكة من العبد، بدليل أنه قيدها بوقت تلقي الملكين، فقال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ [ق:١٦ - ١٧] يعني: حين وقت تلقي الملكين، ولو كان المقصد قرب الرب لم يتقيد بوقت تلقي الملكين، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:٨٥]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يرد القرب إلا خاصًا، وهو نوعان: قرب من الداعين بالإجابة، وقرب من العابدين بالإثابة.
وقال آخرون: إن القرب يكون عامًا وخاصًا، وذهب إلى هذا بعض العلماء، وفسروا قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:١٦] يعني: أقرب إليه بالعلم.
وقال بعضهم: بالقدرة.
وقال بعضهم: بالقدرة والرؤية.
ومن أمثلة تقسيم شيخ الإسلام: تقسيم القرب الخاص إلى نوعين: فقوله تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ [العلق:١٩]، فالساجد قريب من الله، والنوع الثاني: القرب من الداعي بالإجابة، كقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة:١٨٦]، فلم يقل: قريب من كل أحد، ولكن قريب لإجابة الداعي، ومثله حديث أبي موسى الأشعري في الصحيح لما قال: (كنا في سفر فارتفعت أصواتنا بالتكبير، فقال النبي ﷺ: أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمًا ولا غائبًا، إن الذي تدعونه سميع قريب، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)، قوله: (إن الذين تدعونه سميع قريب) أي: قريب من الداعي، ومثل قوله تعالى على لسان نبي الله صالح: ﴿إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود:٦١] يعني: قريب لإجابة الداعي.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونظيرها من بعض الوجوه الربوبية والعبودية، فإنهما وإن اشتركتا في أصل الربوبية والتعبيد، فلما قال: ﴿بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف:١٢١ - ١٢٢]، كانت ربوبية موسى وهارون لها اختصاص زائد على الربوبية العامة للخلق، فإن من أعطاه الله من الكمال أكثر مما أعطى غيره: فقد ربه ورباه ربوبية وتربية أكمل من غيره].
12 / 4