والهذيان كثرة الكلام في غير معنى والوبال أصله الثقل ومنه كلأ وبيل إذا كان لا يمري لثقله وقال تعالى " فأخذناه أخذا وبيلا " أي ثقيلا شديدا ومنه الوابل من المطر لغلظ قطره وشدته. وقياد للسانه أي يقبض لسانه عن التصرف في الكلام كما يقبض القيد اتساع الخطو. والعي الحصر وهو مصدر قولك عي فلان بالمنطق يعيا وأعييت من التعب إعياء ومعناهما واحد لأن الإعياء انقطاع عن العمل من التعب كما أن العي انقطاع الكلام من الحصر. وبالمحافل جمع محفل وهو المجلس والمجتمع في غير مجلس أيضا وأصله الاجتماع والكثرة ومنه المحفلة وهي الشاة التي يجمع لبنها في ضرعها. وعقلة أي حبسة والعقل في اللغة الحبس والمنع ومنه سمى العقل عقلا لأنه يحبس صاحبه عن الحمق وما لا ينبغي ومنه العقال لأنه يمنع يد البعير عن البسط وعقل الدواء بطنه حبسه عن الحدث والدرة عقيلة البحر لأنها محتبسة فيه.
وقوله " ولقد بلغني أن قومًا من أصحاب الكلام سألوا محمد بن الجهم أن يذكر لهم مسألة من حد المنطق حسنة لطيفة فقال لهم ما معنى قول الحكيم أول الفكرة آخر العمل وأول العمل آخر الفكرة فسألوه التأويل فقال مثل هذا رجل قال إني صانع لنفسي كنا فوقعت فكرته على السقف ثم انحدر فعلم أن السقف لا يقوم إلا على اصل ثم ابتدأ في العمل بالأصل ثم بالأس ثم بالحائط ثم بالسقف فكان ابتداء تفكره آخر عمله وآخر عمله بدء تفكره فأية منفعة في هذه المسألة وهل يجهل أحد هذا حتى إلى إخراجه بهذه الألفاظ الهائلة وهكذا جميع ما في هذا الكتاب ".
محمد بن الجهم رجل من البرامكة من أصحاب المنطق وللكندي إليه رسالة. والتأويل التفسير وهو رد فرع إلى أصل واشتقاقه من آل يؤل إذا رجع فإذا قيل أولت كذا فمعناه رددته إلى أصله وقال النصر أصل التأويل من الإيالة وهي السياسة فكأن المتأول للكلام سائسه وواضعه موضعه. والكن ما وقى وستر من كل شيء وهو الكنان أيضا والفعل منه كننت الشيء أكنه كنا وأكننته إكنانا إذا جعلته في كن. والأس أصل البناء وهو الأساس أيضا فجمع الأس أساس وجمع الأساس أسس. وقوله في الحكاية عنه فكان ابتداء تفكره آخر عمله وآخر عمله بدء تفكره غلط لأن قوله وآخر عمله بدء تفكره هو قوله فكان ابتداء تفكره آخر عمله فقد كرر والصواب أن يقول وآخر تفكره بدء عمله. ويقع في بعض الروايات في أول هذه المسألة أو
1 / 37