Shajarat Durr
شجرة الدر: قصة تاريخية
Genres
قالت الملكة في همس: لله شجرة الدر! كأنما كانت تقرأ من لوح مسطور وراء الغيب ما سمعته أذناي الساعة! - ماذا قلت يا مرجريت؟ - لا شيء يا لويس. - ولكن كلمات هامسة كانت تبرق على شفتيك. - كنت أعيد ما وعته أذناي من حديث شجرة الدر. - شجر الدر؟ - نعم، ملكة مصر والشام ووارثة عرش صلاح الدين. - أوصارت ملكة؟ - نعم، وإنها لأهل لما بلغت؟ - وماذا وعته أذناك من حديثها؟ - ما كنت تقوله لي الساعة يا لويس. - لم أفهم ما تعنين ما مرجريت. - قالت لي : إنما خرجتم باسم الصليب تطلبون المجد والغنيمة، فحق عليكم أن تنتهوا إلى الأسر والهوان والمذلة! - كذا قالت؟ - نعم، وكدت أرد عليها قولها وأترك مجلسها غير معتذرة! - ثم ماذا؟ - ثم كظمت غيظي واحتملت اللطمة من أجلك يا لويس! - من أجلي أنا؟ - نعم، فما سعيت إلى لقائها إلا لأسألها بما جبلت عليه كل أنثى من العطف والرحمة، أن تأذن لي في لقائك والتحدث إليك ساعة، وقد أذنت لي في أن أحضر إليك تحت الليل، في حراسة اثنين من فرسان الداوية، وأصحبتني اثنين من حراسها ليدلانا على الطريق ويدفعا عنا ما قد يعترضنا من شر العامة، فإن شئت يا لويس بقيت إلى جانبك في هذا المعتقل حتى يأذن الله بالفرج.
صمت الملك برهة يفكر، ثم رفع رأسه قائلا: ولكنني لا أشاء يا مرجريت! - لماذا يا حبيبي؟ - لأنك تستطيعين في حريتك أن تسدي إلي يدا، إذا رضي المسلمون أن أفتدي نفسي بمال. - وإذن؛ فأنت ترى أن أعود إلى دمياط لأحتال في جمع ما قد يطلب المسلمون من مال الفدية؟ - نعم، وإلى اللقاء يا مرجريت! - إلى اللقاء يا لويس.
وعادت الملكة أدراجها، وعاد الملك فجلس على حشيته مستندا إلى وسادة على الحائط يفكر، وانصفق الباب وراء الثلاثة، وتقدم الحرسيان السيدة الملثمة على الطريق، وتبعها الفارسان حتى انتهوا إلى شاطئ النيل، وهبطت السيدة إلى الزورق ثم تبعها الشابان، فانساب الزورق على سطح الماء مبحرا إلى الشمال.
الفصل العشرون
الجاشنكير يحكم!
لم ينكر أحد في مصر على شجرة الدر حقها في اعتلاء عرش الأيوبيين بعد مصرع توران شاه، إلا من حيث إنها امرأة، فلولا أن التقاليد في مصر الإسلامية لم تشهد قبل شجرة الدر أنثى على العرش لدان لها الجميع بالولاء والطاعة في إخلاص ومحبة؛ فقد كانت من إحكام التدبير وحسن السياسة وسعة النفس وطيب السمعة، بحيث لا يعرض ذكرها على لسان إلا معرض الإعجاب والتقدير والمهابة.
وكان المماليك الصالحية - وهم يومئذ عدة الدولة وعضدها ومظهر قوتها وعنفوانها - أشد الشعب لها إعجابا وتقديرا ومهابة؛ إذ كانت زوجة أستاذهم وولي نعمتهم الملك الصالح أيوب، هذا إلى أن هؤلاء المماليك لم ينسوا قط أن بينهم وبين شجرة الدر آصرة
1
أوثق وأقوى؛ فقد كانت رقيقا
2
Page inconnue