330

العلامة الجليل القدوة، الفهامة النبيل الأسوة، فاق متأخرى زمانه بالعلوم العربية والفقه وغيرهما ذا ادب ملكى وخلق مرضى وزهد كامل وورع بالغ قد حصل في غرة شبابه على بعض علماء عشيرته واصحابه ثم على مولانا السعيد قوام الدين ابى البقاء «1» فأتقن الأدبيات كلها عنده وجمع الأصول والفروع واحكمها ثم سافر الى بعض الأطراف وحج بيت الله الحرام ودخل بعض بلاد الشام وسمع الحديث وروى ولما انتهت اليه رياسة اهل العلم وفوض اليه تدريس المدارس المعتبرة والأمور العظام حسر عن ساعد الجهد وشمر عن ساق الجد في اعلاء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشر دينه المتين «2» واسماع احاديثه العالية فصحح النسخ كلها وقابل امهات الكتب فى الفنون واستنسخ المطولات والمختصرات* كثيرا وصححها حسبة لله تعالى فوقفها على المسلمين وصنف «3» كتبا كثيرة «4» منها حواشى الصحيحين وبعض الكتب السبعة «5»، وحواشى الكشف، ورسالة الدعوة والترغيب الى اجل ما يرغب اليه الاديب «6»، (ورق 174 ب) ورسالة التسلية، ورسالة الجمعة، وتلخيص الاذكار، وتلخيص سلاح المؤمن، ومقدمة فى الاعراب وغيرها، وكانت جل اوقاته بل كل ساعاته مصروفة بتهيئة اسباب سفر الآخرة لا يلتفت الى مال ولا الى جاه وعرضوا عليه القضاء مرارا فلم يقبلها، صاحبته في بعض الأسفار فراقبته بالليل والنهار مع ما استمرت [بيننا] قواعد المحبة واستحكمت مرائر الألفة وتأخذت «7» اسباب الاعتقاد والأخلاص فى صحبة مولانا السعيد «8» ومجلسه الغاص فكان رحمة الله عليه سره وعلانيته مقاربين وفعله وقوله مقارنين لا يميل الى تكلف ورياء ولا ينريغ عن جادته المستقيمة الى بدعة وهوى يبكى على نفسه فى الليالى وينظم فى الزهد والمواعظ ابياتا كاللآلى، منها ما قال فى آخر قصيدة:

عبيد الكريم المستكين قماءة ... حقير ضعيف ذو قصور بكرة «1»

غريق حياء خجلة من ذنوبه ... فليس يؤدى شكر شمة نعمة

تشرف قدرا ان «2» يعد خويدما ... لخدام خدام لأنصار سنة

فيا رفعة للقدر ان كان تربه ... يدوكونها «3» اعظم وانبل برفعة

فيدرك «4» من اقدامهم بركاتهم ... فيذخرها اذ ذاك اسمى ذخيرة

فيارب اصلح شأنه واختمن له ... بكامل ايمان وصالح توبة

(ورق 175) اجاب الله دعاءه فمضى بالأيمان والتوبة والشهادة وختم له الأمر بالخير والسعادة ان شاء الله فى سنة ... وسبعمأته «5» ودفن ببعض حظائرهم رحمة الله عليهم.

302 - مولانا امام الدين عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن مذكور «6»

Page 440