فجن الفيكونت غيظا، وأخذ يهذي ويقول: صعلوك، بائس، وقح، حقير، سافل! فانحنى سيرانو بين يديه رافعا قبعته عن رأسه وقال له: تشرفت بمعرفة اسمك يا سيدي، أما أنا فاسمي سيرانو سافينيان هركيل دي بيرجراك الجاسكوني!
فصاح الفيكونت: صه أيها النذل الساقط!
فجمد سيرانو لحظة، ثم انحنى على نفسه وأخذ يتلوى ويصيح، كأنما أصيب بألم شديد في بعض أعضائه، فظن الفيكونت أن قد عرض له عارض مميت، فحنا عليه وقال له: ماذا أصابك؟ فلم يجب، وظل يصيح ويتأوه. فقال له: ما شكاتك أيها المسكين؟ قال: خدر شديد يؤلمني جدا. قال: في قدمك؟ قال: لا. قال: في فخذك؟ قال: لا. قال: إذن في ذراعك؟ قال: ليته كان كذلك. قال: قل لي في أي مكان هو؟ قال: في سيفي! فدهش الفيكونت وقال: ماذا تريد؟ قال: لقد طال لبثه في غمده زمنا طويلا، فأصابه هذا التنميل الشديد، ولا علاج له غير الامتشاق!
المبارزة الشعرية
ففطن الفيكونت لما أراد، وعلم أنها المبارزة ما من ذلك بد، فتشجع وقال: فليكن ما تريد! قال: أتعلم أنني سأضربك ضربة غريبة لم ير الراءون مثلها؟ قال: خيال شاعر كذاب. قال: إن الشاعر لا يكذب، ولكنه يقول ما لا يفهمه الأغبياء فيظنونه كاذبا، وفي استطاعتي أن أرتجل في أثناء القتال الذي يدور بيني وبينك موشحا لا أقول فيه شيئا إلا فعلته، وسيكون مركبا من خمس قطع، يبتدئ أولها بابتداء المبارزة، وينتهي آخرها بانتهائها، أي بانتهاء حياتك يا فيكونت! فصاح الفيكونت: كذبت، وإنك لأعجز من ذلك! قال: لم أكذب في حياتي قط، وها هو ذا عنوان موشحي الجديد.
وأخذ يلقي العنوان مادا به صوته، كأنما يمثل على مسرح، ويقول: «موشح القتال الذي دار بين السيد سيرانو دي بيرجراك، وبين صعلوك من الصعاليك المتنبلين اسمه الفيكونت فالفير، في حانة بوروجونيا.»
ثم جرد سيفه، وبدأ يقاتل ويلقي موشحه، ويوقع ضرباته على نغماته ويقول:
إنني أرمي بهدوء قبعتي، وأخلع عن منكبي ردائي، ثم أجرد من غمده سيفي، ثم أتقدم نحوك رشيقا كسيلادون، وشجاعا كإسكاريوس، ولا بد أني في المقطع الأخير أصيب! •••
وكان جديرا بك أن تضن بنفسك على الموت، إن الموت لا بد آت إليك، لا أدري أين أضع ذباب سيفي من جسمك؟ أو جنبك تحت ثديك؟ أم في قلبك تحت وسامك؟ وعلى كل حال ففي المقطع الأخير أصيب! •••
ترسك يرن تحت ضربات سيفي، ذباب سيفي يلتهب التهابا، قلبك يخفق من الرعب والخوف، فرائصك ترتعد وتضطرب، فلا بد أني في المقطع الأخير أصيب! •••
Page inconnue