لورادان :
نعم، طبع ذلك على جبيني، وليس بوسعي إنكاره. إنما ما الفائدة وأي لذة تجد بمعرفة مصائب رجل مجهول الاسم مثلي؟
جرار :
آه يا لورادان! لقد أهنتني ولم تدر؛ فهل أنت على ريب من خلوص مودتي وصدق إخائي؟!
لورادان (يمد إليه يده) :
لا، لا، يا سيدي، لقد وعدتك أن أبوح لك بسر مرعب، كدر صفو حياتي منذ اثنتي عشرة سنة، وعذب نفسي عذابات فادحة كادت تذهب بي إلى القبر! الأوفق أن أخبرك أولا عما جرى لي في سني حداثتي فأصغ إلي؛ في الخامسة عشرة من عمري خرجت من بيت أبي، وخدمت جنديا عند الأمير دي ليزينيه، وهناك تصادقت مع فلافي؛ ذلك الخائن الشرير. وفي الخامسة والعشرين من عمري لبست ثوب الفرسان وصحبت الأمير إلى مواقع عديدة، فاتفق في بعض الأيام أن خرجت مع فلافي وخادم يدعى رينالدي للتنزه في الحقل، فصادفنا رجلا يدعي معرفة الغيب، فمددت إليه يدي؛ ليطلعني على ما يحدث لي في مقبل حياتي، ولا أعلم إن كنت فعلت ذلك استهزاء به أم اعتقادا بخزعبلاته، وكذلك صنع رفيقاي، فتبصر الرجل قليلا، ثم قال: إن أحدكم سوف يكون أميرا والثاني جلادا، فسألته فورا: والثالث ماذا يكون؟ ففاه ببعض كلمات لم نستطع فهمها، ثم وجه نحو فلافي نظرة أسف وتوارى حالا، لا ريب أن هاته الحادثة تظهر لك عديمة الأهمية ولا علاقة لها بحديثي.
جرار :
لا، يا سيدي، إن كل ما هو متعلق بك يهمني كثيرا، فكمل حديثك.
لورادان :
ومنذ ذاك الوقت تغيرت أخلاق فلافي تغيرا تاما، وأصبح حائرا حزينا ، وما لبث أن بثني في أحد الأيام مكنونات صدره؛ وذلك أنه كان عازما أن يقتل الأمير ويحبس زوجته وولده في إحدى الصوامع، فتميزت غضبا لما سمعت منه هذا الكلام، ورفضت رفضا مطلقا الاشتراك معه بهذا العمل الجهنمي، أما هو فلم يقنط من انقيادي لأقواله، وعاودني مستجيرا بالوعد والوعيد، ولكن مساعيه ذهبت أدراج الرياح، فعزم حينئذ أن يسعى بضرري عند الأمير، فاتهمني بالخيانة وبذل جهده حتى طردت من القصر.
Page inconnue