لقد حافظت مرضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه خمس سنوات ، وقامت في هذه المدة برعاية شؤونه خير قيام ، وبالغت في كفالته والعناية به ، وفي خلال هذه المدة تعلم النبي لغة العرب على احسن ما يكون ، حتى انه صلى الله عليه وآله وسلم كان يفتخر بذلك في ما بعد إذ كان يقول :
أنا أعربكم ( اي أفصحكم )... وارضعت في بني سعد » (1).
ثم ان « حليمة » جاءت به إلى « مكة » ، وبقي عند امه الحنون ردحا من الزمن ، وفي كفالة جده العظيم : « عبد المطلب » ردحا آخر منه ، وكان هو السلوة الوحيدة لاقاربه والبقية الباقية من ابيه : « عبد الله » (2).
سفرة إلى يثرب :
منذ أن فقدت كنة « عبد المطلب » وعروس ابنه : « آمنة » زوجها الشاب الكريم : « عبد الله » باتت تترقب الفرص لتذهب إلى « يثرب » وتزور قبر زوجها الحبيب الفقيد عن كثب ، وتزور اقاربها في يثرب في نفس الوقت .
وذات مرة فكرت بأن تلك الفرصة قد سنحت ، وأن ولدها « محمدا » قد كبر ، ويمكنه أن يشاركها في حزنها ، فتهيأت هي وام ايمن للسفر ، واتجهت نحو يثرب برفقه « محمد » ، ولبثت هناك شهرا.
ولقد انطوت ( وبالاحرى حملت ) هذه السفرة على بعض الآلام الروحية لوليد قريش « محمد » لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى فيها ولأول مرة البيت الذي توفي فيه والده العزيز ، ودفن (3) وكانت والدته قد حدثته بامور عن والده إلى ذلك الحين.
وكانت لا تزال سحابة الحزن تخيم على روحه الشريفة إذ فوجئ بحادثة مقرحة اخرى ، وغشيه موج آخر من الحزن لأنه عند عودته إلى مكة فقد امه
Page 227