218

إنه وان كان الفرق بين « مريم » و « حليمة » شاسعا وكبيرا من حيث الملكات الفاضلة والمكانة ، والمنزلة ، إلا أن منزلة « مريم » عليها السلام لو استوجبت مثل هذا اللطف الالهي ، ففي المقام استوجب نفس مقام الوليد العظيم ، ومكانته عند الله تعالى أن تشمله العناية الالهية.

كما انه قد جاء في القرآن الكريم حول مريم عليها السلام امور اخرى مشابهة.

ان عصمة هذه المرأة الطاهرة ، وتقاها وطهرها البالغ كانت بحيث أن « زكريا » كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا ، فاذا سألها : من أين لك هذا قالت : هو من عند الله؟ (1).

وعلى هذا الأساس يجب أن لا نتردد ولا نسمح لانفسنا بأن نشك في مثل هذه الكرامات ، أو نستبعدها.

خمسة أعوام في الصحراء :

أمضى وليد « عبد المطلب » في قبيلة « بني سعد » مدة خمسة أعوام ، بلغ فيها أشده.

وخلال هذه المدة اخذته « حليمة » إلى امه مرتين أو ثلاث ، وقد سلمته إلى امه في آخر مرة.

وكانت المرة الاولى من تلك المرات عند فطامه ، ولهذا السبب اتت به صلى الله عليه وآله وسلم « حليمة » إلى مكة ولكنها عادت به إلى الصحراء باصرار منها ، وكان السبب وراء هذا الاصرار على اصطحابه معها إلى البادية هو أن هذا الوليد قد اصبح مبعث خير ورخاء ، وبركة في منطقتها ، وقد دفع شيوع مرض الوباء في « مكة » إلى أن تقبل امه الكريمة بهذا الطلب (2).

وأما المرة الثانية من تلك المرات فكانت عندما قدم جماعة من نصارى

Page 223