La voix des profondeurs : Lectures et études en philosophie et psychologie
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
Sapir-Whorf hypothesis ، نسبة إلى واضعيها وهما اللغويان إدوارد سابير وبنيامين ورف، اللذان منحا هذه الفرضية شهرة كبيرة. غير أن تسمية «النسبية اللغوية» السائدة اليوم تتحلى بمزية أنها تيسر فصل الفرضية ذاتها عن نظرات ورف التفصيلية التي استهدفت لخلاف تفسيري لا نهاية له. (2-1) أنساق التصنيف
يعني تصنيف شيء ما أن نعين له طبقة أو فئة يندرج تحتها بين غيره من الأشياء التي تنتمي إلى نفس النمط أو الصنف. تستخدم الجماعات البشرية جميعها أنساقا معقدة من التصنيف أو التقسيم، وتجسد كل لغة من اللغات البشرية مثل هذا النسق، كما يقوم الناطقون بلغة معينة بتطوير أنساق جديدة من التصنيف كي ما تفي بأغراض خاصة. وقد تجسد لغتان مختلفتان، كالإنجليزية والفرنسية، نفس المخطط التصنيفي تقريبا، مما يسهل الترجمة من إحدى اللغتين إلى الأخرى، فلدى الإنجليزية والفرنسية مثلا أنساق شديدة التفصيل لتصنيف الألوان، بينما تفتقر بعض اللغات الأخرى إلى مثل هذا الثراء اللفظي في مجال الألوان. وليس من المستغرب أن بعض لغات الإسكيمو تحتوي على كلمات تخص أصناف الجليد أكثر بكثير مما تحتويه غيرها من اللغات. ورغم الصلة الوثيقة بين لغة معينة ونسق معين من التصنيف فليس من المحتم أن يستخدم ناطقان بلغة واحدة نفس النسق التصنيفي؛ فقد يرى شخص متدين الناس إما تقيا وإما غير تقي، بينما لا يرى غيره من الناطقين بنفس اللغة حاجة إلى مثل هذا التصنيف الخاص. كما يجب ألا ننسي أن المصادر اللغوية فيها من المرونة أكثر مما فيها من التصلب، فبوسع البشر دائما أن يخترعوا لفظة جديدة أو يصوغوا تعبيرا بكرا كي يحصر وجها جديدا من التشابه أو الاختلاف بدا لهم في الأفق.
22 (2-2) العنصر السيكولوجي في الثقافة
ثمة علاقة باطنة بين اللغات التي نتحدث بها ونكتسبها وبين بنائنا السيكولوجي (مهارتنا الحسية، إحساسنا بذاتنا، الانفعالات التي نتعلم أن نبديها، وأنماط الاستدلال التي نعتبرها مقنعة ... إلخ)، وإذا كنا نرى أن اللغات لا تمكن ترجمتها ترجمة كاملة، فإن علينا أن نسلم بأن هناك احتمالا بوجود شيء من التفاوت في هذه العمليات والحالات والظواهر السيكولوجية بين الثقافات المختلفة. من ذلك أن استخدام صيغة المتكلم وتصريفات المتكلم في معظم اللغات تختلف في مدى ما تفرضه على المتكلم من تعهد بمضمون العبارة وإلزامها الأخلاقي . في المجتمعات التي تتحدث باللغات الأوروبية يضع استخدام صيغة المتكلم على المتحدث مسئولية كفرد، بينما في كثير من اللغات الشرقية يضع هذا الاستخدام تعهدا على الجماعة التي يعد المتحدث عضوا فيها في هذه اللحظة وهذا السياق. تفتقر اللغة اليابانية مثلا للتكنيك النحوي الكفيل بالتعبير عن المسئولية الفردية. من شأن هذه الفروق اللغوية أن تفضي إلى فروق في الإحساس بالذات.
تقدم هذه الملاحظات وغيرها الأسس أو المقدمات التي تقوم عليها حجج كبرى لإثبات اختلاف الثقافات من حيث الإحساس بالذاتية. كذلك صيغت حجج أخرى عن الاختلاف المميز لغويا بين الثقافات من حيث ذخيرة (مخزون) الانفعالات الواردة
repertoire of emotions ؛ فمن المفترض أن الطبيعة تزود كل كائن إنساني بطاقم من الاستجابات الانفعالية الشديدة العمومية التي تعينه على التكيف والبقاء، معبرة عن أحكام إجمالية عما هو خطر وما هو مرغوب ... إلخ. هذه المنظومات الشديدة التعقد والنوعية من الأحكام المتجسدة التي نطلق عليها «الانفعالات»
emotions
هي بناءات تشكلها اللغة من المخزون الأساسي غير المشكل. يعني ذلك أن المرء إذ يتعلم لغته المحلية وشروط استخدامها الصحيح إنما يكتسب «المخزون»
repertoire
الانفعالي المحلي، ويعني ذلك بالتالي أن اللغة تسير الثقافة.
Page inconnue