La voix des profondeurs : Lectures et études en philosophie et psychologie
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
في عملية التطور والنمو تبدو آليات الاستجابة مقحمة على أنشطة إيقاعية حركية أولية. إن المنبه (تغير في الأحوال الخارجية)
stimulus
في حقيقة الأمر لا «يسبب» قيام عملية في نظام يتسم بالخمول لولا وجود المنبه؛ فالمنبه لا يعدو أن «يعدل» عمليات قائمة أصلا في نظام فاعل فاعلية مستقلة.
يحافظ الكائن العضوي على توتر معين وعدم توازن يطلق عليه «الحالة الثابتة للنظام المفتوح». بذلك يمكنه أن يتعامل مع التوترات الجارية ويصرفها في نشاط تلقائي أو في استجابة لمنبهات ترويحية، بل إنه ليمضي قدما نحو تنظيم أعلى. يذهب نموذج الروبوت إلى أن المخطط العام الأساسي للسلوك هو الاستجابة للمنبهات وخفض التوترات واستعادة الاتزان الذي أخلت به عوامل خارجية والتأقلم مع البيئة ... إلخ. غير أن نموذج الروبوت لا يفسر إلا شطرا من سلوك الحيوان، ولا يفسر أي شطر جوهري من سلوك الإنسان. يستدعي هذا الاستبصار الخاص بالنشاط المحايث (الداخلي، المباطن) للكائن النفسجسمي توجها جديدا يمكن دعمه بما لا يحصى من الشواهد البيولوجية والنيوروفسيولوجية والسلوكية والسيكولوجية والطبنفسية.
إن النشاط التلقائي المستقل هو الشكل الأكثر بداءة من أشكال السلوك. إنه قائم في وظيفة المخ وفي العمليات السيكولوجية. وقد كان اكتشاف الأجهزة التنبيهية بجذع المخ (التكوين الشبكي) توكيدا لهذه الحقيقة. يشتمل السلوك الطبيعي على ما لا حصر له من الأنشطة التي تتجاوز مخطط «المنبه-الاستجابة»: بدءا من الاستكشاف واللعب والطقوس في الحيوان، إلى المساعي الفكرية والجمالية والدينية نحو تحقيق الذات ونحو الإبداع في الإنسان. حتى الفئران تبدو باحثة عن مشكلات! أما الأسوياء من البشر أطفالا وراشدين فيمضون بعيدا فيما يتجاوز خفض التوترات أو إشباع الحاجات إلى عدد هائل من الأنشطة التي لا يمكن ردها إلى الحاجات الأولية أو الثانوية. تؤدي جميع هذه الأنشطة من أجل ذاتها فحسب ، مستمدة الإشباع من الأداء نفسه (ما يسميه بوهلر «لذة الوظيفة»).
ولنفس الأسباب فإن التخفف التام من التوترات، كما في تجارب الحرمان الحسي، ليس بالحالة المثالية للكائن، بل إنه خليق بأن يورث قلقا لا يحتمل وهلاوس وأعراضا ذهانية أخرى. ومن الحالات الإكلينيكية القريبة من هذه الحالة ذهان السجان، وتفاقم الأعراض في الأجنحة المغلقة، وعصاب التقاعد، وعصاب العطلة الأسبوعية. وكلها حالات تشهد بأن الكائن العضوي بحاجة إلى قدر من التوتر والنشاط لكي يعيش وجودا صحيا.
إن نقص التلقائية هو عرض مرضي، فالمريض النفسي هو الذي يتحول تباعا إلى أوتوماتون أو آلة ليس لها غير المنبه والاستجابة، مدفوعا بالدوافع البيولوجية، ومسكونا بهاجس الحاجة إلى الطعام والإخراج وإشباع الشهوة. وإن نموذج الكائن الحي السلبي هو وصف واف تماما للسلوك المكرور لدى مرضى الوسواس القهري ومرضى تلف المخ، ومرضى الكاتوتونيا الفاقدي التلقائية. غير أن هذا يؤكد، ولنفس السبب، أن السلوك السوي شيء مختلف.
15
التوازن الحيوي (الهميوستاسيس)
سبق أن عرضنا للتوازن الحيوي وقلنا إنه طاقم من التنظيمات التي تحفظ المتغيرات ثابتة، وتوجه الكائن العضوي نحو هدف. وتتم بواسطة آليات التغذية الراجعة (المرتجعة)
Page inconnue