La voix des profondeurs : Lectures et études en philosophie et psychologie
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
لماذا تتنادى الأصوات بهذه اللفظة العتيقة في هذا الوقت العصيب الذي يشهد أحداثا كبرى تأبى أن يعلو فوق صوتها صوت؟
لماذا تمتد الأيدي إلى هذا الملف المنسي تريد أن تمسح عنه التراب وتقرأ فيه مزيدا من الصفحات وتتبين منه مزيدا من الأسطر؟
أخشى أن الجواب مؤلم كغسيل الجرح، وأن مسألة الديمقراطية ما كانت لتثار بكل هذا الإلحاح، وتتوارد في كل هذه الخواطر، لو لم يكن الجميع قد استشعر في نفسه، على اختلاف الدرجة، أن الوطن مريض وأن غياب الديمقراطية لعقود طويلة ربما يكون وراء هذا الداء الذي أصابنا والهزال الذي ألم بنا.
لقد امتحنت الأمة في نفسها امتحانا قاسيا كشف أن ثقلها في الميزان هين وأوراقها على الطاولة قليلة، وأنها لم تعد «تفعل» في الملمات بل «تنفعل».
لقد تراكمت عليها الواجبات إذن وأصبح عليها أن تفعل أشياء كثيرة على المدى الطويل، وأصبح عليها مهام جسام لا بد من القيام بها إن كان لها أن تسترد شيئا من عافيتها المهدرة، وتستعيد شيئا من إبائها الجريح.
لا بد من مراجعة شاملة لكل سياساتنا بدءا من النظام السياسي الذي خلف فجوة بين النظم والشعوب، ومرورا بنظام التعليم الذي أخلف أجيالا روبوتية تكرر ولا تبدع، ولغتنا التي تذبل وتهزل ولا تعيننا على التعمق والابتكار، وانتهاء بمنظومة القيم التي شغلتنا بتافه الأمور عن هائلها.
لا بد من تسليط أضواء النقد على كل جوانب حياتنا وأولها قدرتنا ذاتها على تحمل النقد.
وحين نقصر حديثنا في هذا المقام على جانب واحد هو الديمقراطية، فنحن - بحكم طبيعة الموضوع ذاته
ispo facto - إنما نمس جميع الجوانب الأخرى في الوقت نفسه؛ ذلك أن المغزى الحقيقي للديمقراطية هو في المناخ الذي تفرزه أكثر مما هو في أسلوب الممارسة السياسية الذي تتبناه. ولو وعينا ذلك لأدركنا منذ البداية أن الديمقراطية شرط ضروري لأي تقدم أو نهوض في الزمن الحديث، وأنها لا يمكن أن ترد ولا يمكن أن تسوف، وأن الدعاوى القائلة بأن أمام الأمة الآن قضايا أكثر إلحاحا من الديمقراطية، والدعاوى التي تتحدث عن الديمقراطية كما لو كانت نقيضا للوحدة أو للتكامل أو قطبا مقابلا للتضامن والاستقرار، والدعاوى التي تصادر - مصادرة مضمرة - بأن الديمقراطية عائق يحول دون الحسم والمواجهة، والدعاوى التي تتجر بهاجس «الإرهاب» وتروج لأسطورة «الطوارئ» و«الظروف الاستثنائية» و«المرحلة التاريخية» (الأزلية الأبدية)؛ كل هذه الدعاوى لا تعدو أن تكون مناورات مكشوفة ومداورات بائسة لا تهدف إلى تكامل ولا تضامن ولا مواجهة، ولا تؤدي إلا إلى غاية واحدة: بقاء الأمور على ما هي عليه وتحنيط الوضع القائم لمصلحة المستفيد من الوضع، ولغرض في نفس زيد وحاجة في «بطن» يعقوب. وحصاد هذا الشوك عرفناه وجربناه؛ مزيد من الضعف والتردي، ومزيد من الهوان والمذلة.
لست ترى في هذه الدعاوى غير مغالطات تخلط المستويات المنطقية وتقع في خطأ مقولي
Page inconnue