La voix des profondeurs : Lectures et études en philosophie et psychologie
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
أما جاك لاكان فيرى أن الذات تتشكل في وعيها المستمر بالآخر. والآخر هنا هو اللغة! الآخر-اللغة يمثل قوة كبت أو قهر مستمرة بسبب اعتماد الطفل المستمر على ذلك الآخرز وهو في الارتباط بالآخر يعاني من حالة تمزق دائمة بين ذاته المتكاملة كما يراها في المرآة وبين عجزه وعدم اكتماله. اللغة إذن هي «الآخر» الذي يحدد بحضوره «الأنا» أو «الذات». لقد حلت اللغة حقا محل العقل كأداة للمعرفة، وحلت أيضا محله كسجن للمعرفة بعد أن أصبحت حدود معرفتنا بالعالم تقف عند حدود اللغة وتخومها. وبعد أن أصبحت المعرفة خارج أبنيتها وأنساقها مستحيلة، وبعد أن تحولت إلى ذلك «الآخر» المستبد الذي يقهر «الأنا» من ناحية، ولا يتأكد وجود تلك «الأنا» إلا في حضورها، من ناحية أخرى.
50
وفي كتابه حكمة الغرب (1959م) يحذر برتراند رسل من تلك «المنطويات التاريخية الحفرية» القابعة في أحشاء اللغة العادية، والتي يمكن أن تصبح عبئا ضارا عندما تتغلغل دون وعي منا في صميم إدراكنا الراهن للأشياء وتفرض قوالبها ونماذجها على رؤيتنا الحالية للعالم؛ أي حين تجعلنا نرى العالم بعيون غير عيوننا. يقول رسل: «ذلك أن اللغة العادية هي مستقر أجزاء متناثرة من التأملات الفلسفية الموروثة من الماضي، وهذا أمر يستحسن أن يتذكره من آن لآخر أولئك الذين يؤلهون الكلام العادي وكأنه يعلو على كافة قواعد البحث والاستقصاء.»
وقد أفاد المفكر العربي محمد عابد الجابري من هذه الآراء والمذاهب جميعا في تشريحه للعقل العربي والكشف عن تكوينه المعرفي والأيديولوجي في كتابه «العقل العربي». يذهب الجابري إلى أن اللغة العربية هي «محدد أساسي، وربما حاسم، للعقل العربي بنية ونشاطا ... ذلك أن اللغة لا تعكس الظروف الطبيعية وحسب، بل تحمل معها هذا الانعكاس نفسه لتنشره على أمكنة وأزمنة مختلفة، فتكون بذلك عاملا أساسيا، وأحيانا حاسما، في تحديد وتأطير نظرة أصحابها إلى الأشياء. وإذا كان هذا صحيحا بالنسبة لكل اللغات حتى المتطورة منها؛ لأن تطور اللغة بطيء بطبيعته، فإن للغة العربية خصوصية تنفرد بها في هذا المجال.»
51
أما المفكر المصري الكبير د. زكي نجيب محمود فيذهب في كتابه «تجديد الفكر العربي» إلى أن اللغة هي الفكر، وأن التغيير في أي فكر لا بد أن يسبقه تغيير مهم في طبيعة اللغة التي يستعملها أهل ذلك المجتمع، حيث يوجد الفكر. فإيجاد ثورة فكرية يستلزم إيجاد ثورة لغوية أولا.
52
بول فييرابند، وريتشارد رورتي
مع هذين المفكرين نجد أن الوعي بسطوة اللغة قد بلغ مداه، ولعله تجاوز الحد إلى أن تردى في مزالق الفوضوية. أما فييرابند فقد ارتكز في فكره على دعوى «ورف» بأن كل لغة «تفرز» كوزمولوجيا خاصة بها. يتجسد ذلك في تصنيفات مضمرة تخلق في المرء مقاومة طبيعية لوجهات النظر التي تختلف عن نموذجه اللغوي اختلافا بعيدا، وتمنعه من تصور أي بديل للتقليد السائد في جماعته اللغوية، وتفضي إلى «تعذر المقايسة»
incommensurability
Page inconnue