La voix des profondeurs : Lectures et études en philosophie et psychologie
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
يمكن أن يسمى هذا «النسبية الأنطولوجية»
ontological relativism .
39
تظهرنا الترجمة على حقيقة كبرى، هي أن اللغة ذاتها تنطوي على تأويل شامل للعامل، وعلى أن «نظرة العالم»
Weltanschauung
تختلف من لغة إلى أخرى. ليس فعل الترجمة مسألة آلية بسيطة من إيجاد مرادف، مثلما تفعل أجهزة الترجمة فلا تأتي نواتجها المضحكة إلا دليلا بينا على أن الترجمة ليست مرادفة آلية، وما كان لها أن تكون؛ ذلك أن المترجم هو وسيط بين عالمين مختلفين لا عالمين متناظرين أو مترادفين. ليس كالترجمة شيء يخبرنا كيف تقوم الكلمات فعلا بتشكيل نظرتنا للعالم، بل في تشكيل إدراكنا ذاته. إنما اللغة مستودع للخبرة الثقافية، ونحن نوجد في هذا الوسيط وخلاله. نحن نعيش في اللغة ونرى بعينيها. نحن لسنا موجودات تستخدم الرموز بل موجودات مشيدة بهذا الاستخدام مجبولة به. أو كما يقول همبولت «نحن بشر لا لأننا نملك اللغة، بل لأننا نحن اللغة.»
وإذ تفشل أجهزة الترجمة فشلا ذريعا بالمقارنة بالمترجم الإنسان، وبخاصة في الأعمال الأدبية، فإن ذلك ينهض دليلا على أن الترجمة صنف من التأويل، وشكل من أشكال الفهم والإفهام. ثمة «نظرة للعالم» قابعة في صميم «النص الأدبي» ومفترضة مسبقا في أسطره وداخلة من ثم في فهمه وتقديره، ولا بد للناقد من أن يستل هذه النظرة ويأخذها مأخذ الجد وألا ينصرف عنها باعتبارها من أغاليط النقد التاريخي البائد.
40
من الشروط الأساسية مثلا لفهم «الأوديسا» أن ندرك منذ البداية أن الأشياء الطبيعية في «نظرة العالم» القابعة في الأوديسا، هي أشياء حية قاصدة مريدة، وأن العالم هو مدى من الأرض والماء بقدر ما يمكن للمرء أن يرى، وأن كل عملية طبيعية هي من فعل كائن خارق للطبيعة، وأن الآلهة هي مجموعة من سراة الكائنات فوق البشرية التي لها كل ما للبشر من مواطن ضعف وإن تكن تعمل وفقا لصيغة عليا من الدستور الخلقي الخاص بالبطل اليوناني. ليس قبل أن نلج إلى هذا العالم الغريب عن عالمنا يمكننا أن نلتفت إلى ذلك الرجل الحول القلب، ملاعب الموت وغازل الحكايا التي كاد يخدع بها راعيته «أثينا»، ذلك الباحث النهم عن المعرفة المغامرة - أوديسيوس.
41
Page inconnue