وقال بعض العارفين: " من ترك فضول الكلام وفق للحكمة، ومن ترك فضول الطعام وفق لحلاوة العبادة، ومن ترك الضحك وفق للهيبة، ومن ترك الرغبة وفق للجنة، ومن ترك التجسس وفق لإصلاح عيب نفسه، ومن ترك التوهم في كيفية ذات الله وفق للخشية وسلم من الشك والنفاق، ومن ترك الظن السيئ وفق للسلامة من سوء الاعتقاد في الخلق ". وقيل: النظر المباح يؤثر كما يؤثر غير المباح، وإنما يباح للمعلمين من غير إلحاح، وقد لا ينظر أصلًا ولا يمكنه النظر. واعلم أن لأعضائك آدابًا يتعلق بها. قال شيخنا - رحمه الله تعالى - في كتابه الهداية: قال ﷺ: " المهاجر من هجر السوء، والمجاهد من جاهد هواه ".
الاستعانة بنعم الله على معاصيه غاية الكفران:
والمعاصي لا تفعل إلا بالجوارح وهي نعمة من الله تعالى عليك، وأمانة لديك، فاستعانتك بنعمة الله تعالى على معاصيه غاية الكفران، وخيانة في أمانة أودعك الله إياها غاية الطغيان، وأعضاؤك رعاياك، فانظر كيف ترعاها ففي الحديث: " كلكم راع وكل مسئول عن رعيته ".
اعمل ليوم تشهد عليك أعضاؤك:
واعلم أن جميع أعضاؤك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق تفضحك به على رءوس الخلائق قال الله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . وقال: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . فاحفظ جميع بدنك خصوصًا أعمال أعضائك السبعة، فإن جهنم لها سبعة أبواب، لكل باب منها جزءٌ مقسوم، ولا يتعين لتلك الأبواب إلا من عصى الله بهذه الأعضاء: العين، والأذن، واللسان، واليد، والبطن، والفرج، والرجل، على كل جارحة من الجوارح آداب تختص به.
آداب كل جارحة منها:
فآداب البصر أن ينظر إلى إخوانه نظر مودة ومحبة، يعرفها منك ومن حضر المجلس، ويكون نظرة إلى محاسنه، وإلى أحسن شيء يبدو منه وأن لا يصرف عنه بصره في وقت إقباله عليه، وإن يخفف بصره عن زخارف الدنيا، كالبنيان المنقوش والأشياء التي تتطلع النفس إلى طلب مثلها، وتحبب النساء إلى القلب قال الله تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَيَاةِ الدُّنْيَا) . وليعلم الإنسان أن البصر صاحب خبر ينقل حال المبصرات إلى القلب، فينقش صورها، فينبغي أن يصان القلب عن نقل ما يؤديه إليه؛ ليكون مفتوحًا لما يصدره من الفكر والذكر، ثم ثبت أن أشرف الأشياء رؤية الله تعالى بالعيون في الآخرة، فحقيق لصاحب هذا الرجاء أن يصون هذا العضو لما يرجو له من تلك المنقبة. وآداب السمع: أن يسمع إلى حديث سماع مشتهٍ بما يسمع، متلذذ به، وإذا كلمته لا تصرف بصرك عنه، ولا تقطع حديثه بسبب من الأسباب؛ فإن اضطرك الوقت إلى شيء من ذلك أَشْعَرْت فيه، وأظهرت له عذرك! أحذر أن تسمع به عودًا أو مزمارًا، أو تصغي بها إلى بدعة، أو غيبة، أو فُحْش. أو خوض في باطل، أو ذكر في مساوئ الناس أو غير ذلك من الملاهي المنهي عن سماعها، من غناء بالأشعار مهيجة للطبع والهوى، وسماع كلام الأجنبية إلا لحاجة، فإن خلقًا من العباد فتنوا بالكلام كما افتتن غيرهم بالنظر.
إياك والغيبة!: وأما سماع الغيبة ونحوها مما يتأكد اجتنابه لا يختص به القائل دون المستمع، ففي الحديث أن المستمع شريك القائل فإن المستمع أحد المغتابين؛ فينبغي أن يُنَزّه سمعه، كما ينزه بصره، لأنه صاحب خبر يوصل إلى القلب أخبار المسموعات.
رياض المسك جزاء من نزه نفسه وسمعه عن مجالس اللهو:
قال محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن مجالس اللهو ومزامير الشياطين، أسكنوهم رياض المسك، ثم يقول للملائكة: أسمعوهم تحميدي وتمجيدي ".
وآداب اللسان:
1 / 6