بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم من الأولياء المقربين، وأهل طاعتك الذين اصطفيتهم على كثير من عبادك المؤمنين، وخصصتهم بالقرب من حضرتك، وأطلعتهم على البعض من علومك، وأكرمتهم بالتوحيد والطاعة والهدى والتوفيق، وجعلتهم خلفاء أنبيائك في المعجزات، وأظهرت منهم للخلق والكرامات، وأقمتهم لحمل البليات التي تنزل على الخلق من السموات، فهم لحملها صابرين، ولما أقمتهم فيه ممتثلين، ولك راضين، وأقطارها متداركين، ولمصالح العباد بأمرك قاضين، ولطريق الحقيقة تابعين، ومن أقولهم وأفعالهم أهل العلم للشريعة سالكين، ومقتدين، فهم نور الدنيا ومصابيحها، فلا يسلك أحد مسلكا إلاّ بضوء تلك المصابيح، فبهم نهتدي، وبطريقهم نقتدي، وبسرهم الغيث نستقي، وإنهم في جميع أقطار الأرض دائرين، وللحضرة مشاهدين، وللكروب بإذن ربهم عن العباد كاشفين، ولكل منهم مرتبة قائم بها بإذن رب العالمين، فهم على هذه الأحوال ملازمين، وبذكر الله تعالى ليسوا بغافلين، وبالسر مشهورين، وعلى الخلق في علم التوحيد وعلم الحقيقة مرفوعين، وقلوبهم وأعضاؤهم بالإيمان مملوئين، يتفاضلون في الإيمان على قدر مراتبهم في منازل القرب من " أنواع التوحيد وأقسام الهداية ".
أنواع التوحيد
فأنواع التوحيد ثلاثة: يعلم أن الله تعالى منفرد بالتدبير، والتأثير، وتوحيد الملك، وأن تفرده سبحانه بالسيادة التامة والسياسة العامة.
وتوحيد الألوهية بثلاثة أمور: أحدها: أن يؤله بحيث يستولي على القلب العظمة والحب حتى لا يبقى لغيره فيه متسع. الثاني: ألاّ يلجأ في الحاجات دفعًا ولا نفعًا إلاّ إليه. الثالث: أن يسارع في مُجَابه ومراضيه.
وأقسام الهداية ثلاثة أيضًا: معنى الأول: خلق التوحيد في القلب، وهو المعرفة بالله تعالى. وخلق الله تعالى في القلب ثلاثة أمور: نور المعرفة.
٢ - ونور المحبة.
٣ - ونور العقل.
الثاني: من أقسام الهداية: تكون الهداية بمعنى الدوام على الإيمان والثبات عليه، ومنه قوله الموحد (اهْدِنَا الصِرِّاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ) أي أرزقنا الدوام عليه، وكان النبي ﷺ يكثر من قول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". وكان من دعائه: " يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ".
والفرق بينه وبين الأول: أنه يسأل في الأول الدوام والثبات على الإيمان، ويسأل في الثاني أنه يصرف قلبه إلى طاعته، وفيه إشارة إلى التوفيق وهو الإعانة على الإتيان بما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه. والتوفيق: هو إتيان العبد الطاعة على وفق ما أمر ربه، فإذا أتى به موافقًا لأمره فقد حصل التوفيق، ومتى نقص أو زاد أو ترك فعلًا فإنه جانب التوفيق. ولما كان الإيمان لا يحصل إلاّ بالله تعالى، خلق الله في قلب العبد نور المحبة للإيمان، لأن المحبة تقيد المحبوب، لأن من أحب شيئًا أمسكه. ولما كان المحبوب يحتاج إلى من يحفظه من وسواسه، ويمنعه من الأعداء - وهم الشياطين - من الإنس والجن الذين يدعون إلى الكفر وعبادة غير الله تعالى، أعطى الله تعالى العبد نور العقل وهو الثالث من الأنوار حتى يحفظ الإيمان الذي حببه إليه والنعم التي مَنّ الله تعالى بها علينا وهي: نور المعرفة، ونور المحبة، ونور العقل، وهي المتقدم ذكرها وقد ذكرها الله تعالى في سورة الحجرات. فالإشارة إلى نور المعرفة بقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) ففيه الأمر بمعرفة الرسول والمرسل. وقوله تعالى: (وَلكن اللهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيَمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) إشارة إلى نور المحبة المقيدة. وقوله تعالى: (وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ والْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) إشارة إلى نور العقل، وبذلك تندفع وسوسة العبد وأمراض القلب من البغى والحسد والتكبر والحقد والسخرية والغيبة والنميمة وغبر ذلك، وبنور العقل تندفع وسوسة الشيطان وجميع البدع، وبنور العقل يحفظ الإيمان مما ينازعه ويشوش عليه من الأكدّار التي تجر إلى الكفر والمعاصي وتتبع الشهوات، وقد قيل: إن المعاصي بريد الكفر، وأن من اتبع الشهوات فقد غرس في قلبه شجر الندامات.
1 / 1
القسم الثالث من أقسام الهداية: أنها تكون بمعنى البيان قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهِدي إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) المراد بها في حق النبي ﷺ البيان الحامل على اعتقاد الحق حقا، والباطل باطلا. واعلم أن القسمين الأولين لا يقعان من غير الله تعالى الهادي هو الله: قال الله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أي لا تخلق الهداية في قلب من حجبت عنه، ولكن الله يهدي من يشاء.
اللهم اهدنا فيمن هديت. انتهى كلام الشيخ.
فصل
في تحريم مجالسة الأحداث والنسوان
ومعاشرتهم والنظر إليهم
قال الله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصاَرِهِمْ وَيَحْفَضُواْ فُرُوجَهُمْ)
العين رأس الحواس الموردة للخواطر:
قال القرطبي في الغريب المنتقى: اعلم أن رأس حواسك الموردة للخواطر عليك، والتي تكاد أن تدل عليك بلا نطق، وتفصح عن نيتك بلا كلام، وتكاد أن تقود سائرها من جميع جوارح بدنك حاسة النظر، إذ مقامه في البدن مقام الشمس في الدنيا، وهي الحاسة التي تدرك محسوسها أبدًا بلا زمان، أعنى أن إدراكها ما قرب منها بسرعة كإدراكُها ما بعد منها، وليس بين إدراكها القريب والبعيد زمان، وسائر الحواس تدرك بزمان، ويعدم الإدراك بعدمها المحسوس، فكما أن العين رأس الحواس كذلك رياضتها بإحكام ألحاظها، وذم تحديقها، وتدبير التماحها من أكرم الحركات العابرة إلى الرياضة المحمودة، والدالة على شرف النفس، وكرم الهمة.
إهمال رياضتها وما يترتب عليه: وبحسب ذلك يكون إهمالها وإيقاع شعاعها على مالا يحل ولا يحمد من أقبح الحركات المبعدة عن الخير، القائدة إلى الزلل الدالة على دناءة النفس ونذالة الهمة. فاجعل تعاهدك على ما توقع عليه نظرك من أول أفعالك التي تبتدئ إصلاحها من نفسك. واعلم أنها أخوف حواسك عليك، وأقربها إلى الإِستيلاء على عقلك، إذ في محسوسها جمال الصور، وحسن الأجسام، وملاحة الحركات، ورونق التراكيب، وأصبغة الوجوه وديباجات الوجوه التي هي أفتن المحسوسات بجمالها، وأوبقها مدخلا إلى القلوب وأقربها وسيلة إلى النفوس، ولذلك كثيرًا ما يحتاج العباد إلى اعتزال الجماعات، والهرب عن الخواطر.
إياك وخداع الشيطان! فاحذر في هذا الباب أن يخدعك الشيطان فيعزل الصبر من نفسك، ويصرم لك القوة في عزمك، فيجعل عندك مادة النظر والتحديق إلى مالا يحل، والتماح اعتبار مالا يجوز اعتبارًا في خلق الله ﷿، والتعجب بعجيب بنيته، وأنيق تركيبه، فيدرج مخادعًا لك إلى ما يمكن به الفتنة من ناظرك، ويرسخ موقعها من قلبك.
الصغائر تؤدي إلى الكبائر: فإن غفلت قليلًا ممكنًا له من ناظرك، أوقعك - لا محالة - إما في مقاتلة من كنت غنيا عن الاشتغال بمقاتلته من نوازع شهوتك، وإما في الانقياد لها، ومتى صيرت إلى لجج من الفتن لا غاية لها ولا نهاية، إذ العين غير شابعة من النظر، وفعل شهواتها كفعل النار التي هي محسوسها ما زيدت حطبًا زادت لهبًا.
كيف الفرار؟ وإنما الاحتراز من المكروه بالتحفظ من أول أسبابه، والترفع إلى كل جميل مثل الانحدار إلى كل قبيح، ودرجات نزول أولها قريب مما يليها صاعدًا كان أو هابطًا. وأنفع ما يكون الحزم والنظر في تمييز الأسباب التي عنها تتولد الأمور، فأما تميز الأمور في منتهاها فكذلك ما لا يخفى على جاهل فكيف على عالم.
نفسك تلومك! واعلم أنها قد تورثك البطالة وتؤديك للبلادة، بإطالة التحديق على ما لا يعنيك، والنظر إلى ما لا ينفعك، وكذلك أيضًا قد تحكم عليك في بعض الحالات بالسخافة وتلومك الندالة في مثل الالتهاء في كل سمج، والنظر إلى كل قبيح، وكذلك أيضًا قد تشهد عليك في بعض الحركات بالكبر والعجب، وفي بعضها بالورع والتواضع.
زمام الأمر في يدك! فألزمها أفضل الحركات التي تمدحها في غيرك، والبسها أجمل الثياب التي تستجملها على سواك، فافهم المواضع التي يجب عليك فيها غضها مما تشتهي النظر أليه، والتي قد يجب عليك صرفها إلى معاينة ما تستعمله، وأي المناظر الأنيقة يورثها اعتبارا، وأيها يورثها افتنانًا، وأي المناظر السمجة يكون إقبالها علمًا وتبتلا، وأيها يكون ذلك فيها سخفًا وتسفلًا.
ماذا لو غضضت بصرك؟
1 / 2
واعلم أن في اغضاضك بصرك عن النظر إلى مالا يؤمن أن يكون سببًا إجمامًا للقلب، وجَبًّا للشر، وإصلاحًا للنفس، ومادة للإرادة الهوائية، وإغضاؤك عن النظر يوصلك إلى موجود عقلك، الذي هو أصل المعرفة بربك، لأن المعرفة به ﷿ نتاج العقل الصحيح، والإيمان به ﷿ نتاج المعرفة به، وإذا صح العقل، نبتت المعرفة، وصدق الأيمان، وحكم القلب على جميع الجوارح بأعمال الخدمة فتدبر - يا أخي - قلبك بالإخلاص، وتلطف بالمسير في طرق السلامة من الآفات القادحة، والخواطر السارحة.
كيف المخرج والفرار؟: واعلم أن مخرج النظر المسدد من العقل النافع، ومخرج الدلالة من المعرفة العقلية، ومخرج الفكر من يقين القلب، فإذا دام النظر في النعم أيدته المعرفة للعملية الدالة علية، ثم وقعت المعرفة عليها فأبانت الفكرة ما فيها من الفضل والمنفعة فأتت النفوس بالنعم، وفرحت بمجاورتها، وانقطعت عن أسباب الفعل، وانفردت في خلوتها برعايتها، وسقط الهم بغيرها، واتصل بما يحفظها ويراد به منها، فإذا صحت معرفة النفس لنعم الرب جل وعلا، انشرح لهل الصدر والقلب، ووقع الشكر، وكثر الذكر، وتم السرور، والفرح، وعظم الافتخار، وصفا العيش وطاب.
فصل
كيف ندرك المجتهدين ونسبق المسرعين
نصيحة شيخ مجرب!
قال بعض المشايخ لمريده: يا بني ألا أدلك على عمل كثير من أعمال الأبرار تدرك به العامل المجتهد، وإن كنت متوانيًا؟ احفظ طرفك ولسانك مع أداء الحقوق، فذلك أعمال الراسخين. إن أردت أن تسبق الراكب المسرع، وإن كنت بطيئًا فاشغل قلبك ولسانك بذكر الله، مع ترك الحظوظ، فذلك من أعمال الصديقين. واعبد الله على طريق العلم تسلم من الآفات، وأخلص له سبيل الصدق ترفع في الدرجات. ونظر بعض العباد إلى صبي فتأمل محاسنه فأتى في منامه وقيل لتجدن غِبّها بعد أربعين سنة. قال بعض الحكماء: القلب مثل بيت له ستة أبواب.
ما هي أبواب القلب؟ ثم قيل له: احذر ألا يدخل عليك من أحد هذه الأبواب شيء فيفسد عليك البيت، فالقلب هو البيت، وأبوابه: الفم، واللسان، والسمع، والبصر، واليدان، والرجلان، وفتح هذه الأبواب بغير علمٍ ضياع البيت، وغلق هذا البيت فرض، وسد كل باب من هذه الأبواب فرض، خوفًا على البيت من الفساد، وهذا البيت إذا فسد فسد الجسد كله، لقوله ﷺ: " إن في الجسد مُضَّغةً إذا صَلحَتْ صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب " فافهم حفظ هذه الأبواب واحرص عليها.
النظر هو البداية!: واعلم أن بدء المعصية النظر قال رسول الله ﷺ: " النظرة سهم من سهام إبليس ".
رأي عيسى ﵇ في النظرة: وقال عيسى ﵇: " إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب حسرة ".
والنظر!: وقال ابن سيرين: " إياك وفضول النظر فإنه يؤدي إلى فضول الشهوة ". وقال داود لابنه: " يا بني امشِ خلف الأسد، ولا تمشي خلف المرأة ".
ابن مكتوم ينظر إلى قدميه!: وكان الأسود بن مكتوم إذا مشى نظر إلى قدميه فربما استقبله النساء فيقول بعضهن لبعض: لا يرعكن قامة الأسود بن مكتوم إذا مشى نظر إلى قدميه لا ينظر إليكن.
الإسلام يحث على صون مرأة: وفي الحديث: " شر النساء اللاتي يتشوقن للرجال ويفتنَّ الرجال وشر الرجال الذين يتشوقون للنساء ويفتنون ". وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: " نهى رسول الله ﷺ أن يمشي الرجل بين المرأتين " أخرجه أبو داود. وعن ابن مسعود ﵁ أن النبي ﷺ قال: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ". وقال ﷺ: " باعدوا بين أنفاس الرجال، وأنفاس النساء ". وما ورد من أنه " لو كان عرق من المرأة بالمشرق، وعرق من الرجل من المغرب، لَحَنَّ كل واحد منهما لصاحبه ". فكيف بالمباشرة والكلام والمزاح؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب.
الخمسة التي تفسد القلب: وروى: " خمسة تفسد القلب: الخلوة بالنساء، والاستماع لهن، والأخذ برأيهن، ومجاراة الأحمق، فأن جاريته كنت مثله، ومجالسة الموتى. قيل: وما الموتى؟ قال: كل غنيِّ أبطره غناه، وكل إمام جائر ".
1 / 3
أفعمياوان أنتما!!: وعن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أمرنا بالحجاب فقال النبي ﷺ: " احتجبا منه " فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال ﷺ: " أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه "! المراهق والمرأة: والأصح أن المراهق كالبالغ فيجب على المرأة الاحتجاب منه كما يجب الاحتجاب من المجبوب ويلزم ولي الصبي منعه من نظرها كما يلزم منعه من الزنا.
فصل
في أبواب المعاصي
ابن القيم يصف الداء والدواء:
قال ابن القيم ﵀: وأكثر ما يدخل المعاصي على العبد أربعة أبواب وهي: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخُطُوات، فينبغي للعبد أن يكون بواب نفسه على هذه الأبواب الأربعة، ويلازم الرباط على ثغورها، فمنها يدخل العدو فيجوس خلال الديار وُيَتّبر ما علا تتبيرا.
رأس الشهوات!: فأما اللحظات: فهي رائدة الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورده موارد الهلكات، ولما كان مبدأ ذلك من النظر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج.
وقال: كل الحوادث مبداها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر فتكون نظرة، ثم خطرة، ثم خطية ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه.
غض البصر يورث حلاوة في القلب: واعلم أن من غض بصره عن محاسن امرأة، أو أمرد لله تعالى، أورث الله قلبه حلاوة إلى يوم يلقاه. وقال ﷺ: " إياكم والجلوس على الطرقات " قالوا: يا رسول الله مجالسنا ما لنا منها بُدٌّ. قال: " إن كنتم ولا بد فاعلين فاعطوا الطريق حقه " قالوا: وما حقه؟ قال: " غَضُّ الَبصَرِ وَكَفُّ الأذَى وَرَدُّ السّلام ".
أصل عامة الحوادث: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإِنسان، فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع.
من آفات النظر: ومن آفات النظر أنه يورث الحسرات، والزفرات، والحرقات فيرى العبد ما ليس قادرًا عليه، ولا صابرًا عنه، ولا قدرة لك عليه. وكم من أرسل لحظاته فما أقلعت إلا ّوهو يتشحط بينهن قتيلا. ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه، حتى يتبوأ مكانا من قلب الناظر، والأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحًا، فتتبعها جرحًا على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراح مِنِ استدعاء تكرارها، وقد قيل: حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات.
الخطرات أصل الخير والشر: وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإِرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه، وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير آثارًا باطلة (كَسَرَاب بِقِيِعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لم يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ الله عِنَدهُ فَوَفّاه حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) .
من أضاع وقته، ضاع عمره!: واعلم يا أخي أن الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، فلا تشغل قلبك وجوارحك بما لا تملك من أمر دينك وآخرتك، وعليك بالفكرة في واجب الوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه، فالعارف ابن وقته فإن أضاعة ضاعت مصالحه كلها، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، وإن ضيعه لم يستدركه أبدًا.
1 / 4
رأي الشافعي في الوقت: قال الشافعي ﵁: صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين. أحدهما قولهم: الوقت سيف فإن لم تقطعه قطعك وذكر الكلمة الأخرى. فوقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر أسرع من مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه طويلًا فهو يعيش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والشهوة والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه بالنوم والبطالة، فموت هذا خير له من حياته. وإذا كان العبد وهو في الصلاة ليس له من صلاته إلا ما عقل منها، فليس له من عمره إلا ما كان فيه بالله وليعلم الإنسان أنه ما من خطرة إلا وتكتب إما حسنة وإما سيئة وقد نهى عن السعي من غير حاجة.
اختر كلماتك جيدًا:
وأما اللفظات: فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر هل فيها فائدة وربح أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر، هل تفوتة بها كلمة هي أربح منها؟ فلا يضيعها بهذه، وإذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فاستدل عليه، بحركة اللسان، فإنه يطلعك على ما في القلب شاء صاحبه أم أبى.
اللسان يكشف عما في القلب!:
قال يحيى بن معاذ: " القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها فانظر إلى الرجل متى تكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه من حلو وحامض، وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه ".
مدخل الاستقامة:
وفي حديث أنس المرفوع: " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ".
مفتاح دخول النار:
وسئل النبي ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ قال: " الفم والفرج ". وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ: " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالًا يرفعه الله درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقى لها بالًا يهوى بها في جهنم ". وفي جامع الترمذي من حديث أنس ﵁ قال: " توفى رجل من الصحابة ﵃ فقال رجل: " أبشر بالجنة! فقال رسول الله ﷺ: " أو لا تدري فلعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه " وقال: حديث حسن. وفي الصحيح: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت " وفيه حديث: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وفي حديث: " كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله ".
قال: واختلف السلف ﵃ والخلف هل يكتب جميع ما يلفظ به؟ أو الخير والشر فقط؟ على قولين: أظهرهما الأول. وقال بعض السلف: " كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ما كان من ذكر الله تعالى وما والاه ".
خصال اللسان المحمودة:
واعلم أن في اللسان عشر خصال محمودة: دليل يظهر به البيان.
وشاهد بخير عن الضمير.
وحاكم يفصل الخطاب.
وواعظ ينهى عن القبيح.
وناطق يرد الجواب.
وشافع تدرك به الحاجة.
وواصف تعرف به الأشياء.
ومعرب يشكر الله ﷿. والإخوان.
وحامد يذهب الضغينة.
وموثق يلهي الأسماع.
وأما الخطوات: فحفظها بأن لا ينقل قدمه إلا فيما يرجو ثوابه عند الله، فإن لم يكن في خطاه مزيد ثواب فالقعود خير له، ولما كانت العثرة عثرتين: عثرة الرِّجل، وعثرة اللسان، جاءت إحداهما قرينة الأخرى في قوله تعالى: (وَإذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا) . فوصفهم الله بالاستقامة في لفظاتهم، وخطواتهم، كما جمع بين اللحظات والخطرات في قوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأُعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) .
في ترك الفضول توفيق للحكمة:
1 / 5
وقال بعض العارفين: " من ترك فضول الكلام وفق للحكمة، ومن ترك فضول الطعام وفق لحلاوة العبادة، ومن ترك الضحك وفق للهيبة، ومن ترك الرغبة وفق للجنة، ومن ترك التجسس وفق لإصلاح عيب نفسه، ومن ترك التوهم في كيفية ذات الله وفق للخشية وسلم من الشك والنفاق، ومن ترك الظن السيئ وفق للسلامة من سوء الاعتقاد في الخلق ". وقيل: النظر المباح يؤثر كما يؤثر غير المباح، وإنما يباح للمعلمين من غير إلحاح، وقد لا ينظر أصلًا ولا يمكنه النظر. واعلم أن لأعضائك آدابًا يتعلق بها. قال شيخنا - رحمه الله تعالى - في كتابه الهداية: قال ﷺ: " المهاجر من هجر السوء، والمجاهد من جاهد هواه ".
الاستعانة بنعم الله على معاصيه غاية الكفران:
والمعاصي لا تفعل إلا بالجوارح وهي نعمة من الله تعالى عليك، وأمانة لديك، فاستعانتك بنعمة الله تعالى على معاصيه غاية الكفران، وخيانة في أمانة أودعك الله إياها غاية الطغيان، وأعضاؤك رعاياك، فانظر كيف ترعاها ففي الحديث: " كلكم راع وكل مسئول عن رعيته ".
اعمل ليوم تشهد عليك أعضاؤك:
واعلم أن جميع أعضاؤك تشهد عليك في عرصات القيامة بلسان طلق تفضحك به على رءوس الخلائق قال الله تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . وقال: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . فاحفظ جميع بدنك خصوصًا أعمال أعضائك السبعة، فإن جهنم لها سبعة أبواب، لكل باب منها جزءٌ مقسوم، ولا يتعين لتلك الأبواب إلا من عصى الله بهذه الأعضاء: العين، والأذن، واللسان، واليد، والبطن، والفرج، والرجل، على كل جارحة من الجوارح آداب تختص به.
آداب كل جارحة منها:
فآداب البصر أن ينظر إلى إخوانه نظر مودة ومحبة، يعرفها منك ومن حضر المجلس، ويكون نظرة إلى محاسنه، وإلى أحسن شيء يبدو منه وأن لا يصرف عنه بصره في وقت إقباله عليه، وإن يخفف بصره عن زخارف الدنيا، كالبنيان المنقوش والأشياء التي تتطلع النفس إلى طلب مثلها، وتحبب النساء إلى القلب قال الله تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ اَلْحَيَاةِ الدُّنْيَا) . وليعلم الإنسان أن البصر صاحب خبر ينقل حال المبصرات إلى القلب، فينقش صورها، فينبغي أن يصان القلب عن نقل ما يؤديه إليه؛ ليكون مفتوحًا لما يصدره من الفكر والذكر، ثم ثبت أن أشرف الأشياء رؤية الله تعالى بالعيون في الآخرة، فحقيق لصاحب هذا الرجاء أن يصون هذا العضو لما يرجو له من تلك المنقبة. وآداب السمع: أن يسمع إلى حديث سماع مشتهٍ بما يسمع، متلذذ به، وإذا كلمته لا تصرف بصرك عنه، ولا تقطع حديثه بسبب من الأسباب؛ فإن اضطرك الوقت إلى شيء من ذلك أَشْعَرْت فيه، وأظهرت له عذرك! أحذر أن تسمع به عودًا أو مزمارًا، أو تصغي بها إلى بدعة، أو غيبة، أو فُحْش. أو خوض في باطل، أو ذكر في مساوئ الناس أو غير ذلك من الملاهي المنهي عن سماعها، من غناء بالأشعار مهيجة للطبع والهوى، وسماع كلام الأجنبية إلا لحاجة، فإن خلقًا من العباد فتنوا بالكلام كما افتتن غيرهم بالنظر.
إياك والغيبة!: وأما سماع الغيبة ونحوها مما يتأكد اجتنابه لا يختص به القائل دون المستمع، ففي الحديث أن المستمع شريك القائل فإن المستمع أحد المغتابين؛ فينبغي أن يُنَزّه سمعه، كما ينزه بصره، لأنه صاحب خبر يوصل إلى القلب أخبار المسموعات.
رياض المسك جزاء من نزه نفسه وسمعه عن مجالس اللهو:
قال محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن مجالس اللهو ومزامير الشياطين، أسكنوهم رياض المسك، ثم يقول للملائكة: أسمعوهم تحميدي وتمجيدي ".
وآداب اللسان:
1 / 6
أن تكلم إخوانك بما يحبونه، وتبذل لهم نصيحتك، وتدلهم على ما فيه صلاحهم، وتسقط من كلامك ما تعلم أن أخاك يكرهه من حديث، أو لفظ، أو غير ذلك، ولا ترفع عليه صوتك، ولا تخاطبه بما يكره، وتكلمه بمقدار فهمه وعلمه، وتصون لسانك من الغيبة والنميمة، والشر، والفحش، واللعن، والسخرية، والاستهزاء، والكذب وقول الزور، وإفشاء السر، والمدح بالباطل، وكلام ذي اللسانين.
الإيمان ... واللسان!: ولما كثرت آفات اللسان قال النبي ﷺ: " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ". وقال ﷺ: " وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ".
لمن تكفل الله بالجنة:
وقال: " من تكفل لي بما بين لحييه وبين رجليه، تكفلت له بالجنة ". وقال سفيان بن عبد الله الثقفي: " يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علىَّ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: هذا ". وفي الصحيحين: عن أبي هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: " إن العبد ليتكلم بالكلمة، ينزل بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب ".
إياك واللعن:
وفي الحديث: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء "، وفيه: " إن العبد إذا لعن شيئًا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا، رجعت إلى الذي لعن، فإذا كان لذلك أهلًا، وإلا رجعت على قائلها ". وعن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: " إن استطعت أن لا تلعن شيئًا فافعل، فإن اللعنة إذا خرجت من قائلها فكان الملعون لها أهلًا أصابته، فإن لم يكن لها أهلاُ، وكان اللاعن لها أهلًا رجعت عليه، وإن لم يكن لها أهلًا، أصابت يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا. فإن استطعت أن لا تلعن شيئًا فافعل ".
وفي حديث بلال بن الحارث ﵁ أنه قال: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ﷿ ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله ﷿ بها رضوانه إلى يوم القيامة. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ﷿ ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله ﷿ بها عليه سخطه إلى يوم القيامة ".
كان علقمة - رحمة الله تعالى - يقول: كم من كلام منعنيه حديث بلال بن الحارث ﵁ ". وشميط بن عجلان: " يابن آدم إنك ما دمت ساكتًا فأنت سالم، فإذا تكلمت فخذ حذرك ".
الفخر بالآباء:
ومما يجب حفظ اللسان عنه، الفخر بالآباء، وخصوصًا بآباء الجاهلية والتعظيم بهم، وذلك لا يحل لقوله تعالى: (يأيُّهَا الَّناسُ إِنَّا خَلْقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) . ويختص باليدين ترك البطش بهما فيما لا يحل، واللمس لما لا يجوز، والتطفيف في الكيل والوزن، حتى إنهم كانوا يحذرون من قرضها فقال حارث ﵀: " إياكم والخطرات، إن الرجل تنافق يده من بين سائر جسده واحفظهما أن تقرب بهما مسلما، أو تتناول بهما حراما، أو تؤذي بهما أحدًا، أو تخون بهما في أمانة، أو تكتب بهما ما لا يجوز، فإن القلم أحد اللسانين، وابسط يدك لإخوانك بالبرّ والمعونة، ولا تقبضهما عنهم وعن الإفضال عليهم، ومعونتهم. ويختص بالبطن ترك تناول الحرام، والزنا، وأكل مال اليتيم، والمغصوب، والمسروق.
الآثار الناجمة عن الشبع:
1 / 7
احرص على طلب الحلال واقتصر منه على ما دون الشبع، فإن الشبع يقسي القلب، ويفسد الذهن ويبطل الحفظ، ويشغل الأعضاء عن العبادة والعلم، ويقوي الشهوات، وينصر جيوش الشيطان. واقتطاع المال باليمين الكاذبة، وقد لعن رسول الله ﷺ آكل الربا وموكله وقال: " درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد عند الله من ست وثلاثين زنية ". وقال ﷺ: " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى وهو عليه غضبان ". وروى ابن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: " لا يكسب عبدً مالًا حرامًا فينفق منه، فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، وليحذر من تناول الشبهات فإن لها تأثيرًا في القلب ". وقد كان السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم - يتركون سبعين بابًا من الحلال مخافة أن يقعوا في باب من الشبهة.
بم نتمكن من حفظ الفرج؟:
واعلم انك لا تصل إلى حفظ الفرج ألا بحفظ العين عن النظر، وحفظ القلب عن الفكرة، وحفظ البطن عن الشهوات، وعن الشبع، فهذه محركات الشهوة ومغارسها. وأما الفرج: فاحفظه من كل ما حرم الله تعالى قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) . ولا يصل إلى حفظ الفرج إلا بحفظ العين عن النظر، وحفظ القلب عن الفكرة، وحفظ البطن عن الشهوات وعن الشبع، فهذه محركات الشهوة ومغارسها فمن أعظم ما روى الهيثم بن مالك الطائي رضى الله عنه عن النبى ﷺ أنه قال: " ما من ذنب - بعد الشرك بالله - أعظم عند الله من نطفةٍ وضعها رجل في رحم لا يحل له ".
أكثر ما يدخل الناس الجنة، وأكثر ما يدخلهم النار:
وروى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى ﷺ أنه سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: " تقوى الله تعالى "،وسئل عن أكثر الناس النار؟ قال: " الفرج والفم " قال ابن مسعود رضى الله عنه: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله في هلاكها ". وآداب الرجلين: أن يماشى إخوانه على حد التبع، ولا يتقدمهم فإن قربه إلى نفسه تقربا إلى مقدار ما يعلم أنه محتاج إليه ثم يرجع إلى موضعه، ولا يقعد عن حقوق إخوانه مُعوّلا على الثقة بإخوانهم لأن الفضيل - رضى الله عنه - قال: " ترك حقوق الإخوان مذلة ". ويقوم لإِخوانه إذا أبصرهم مقبلين، ولا يقعد إلاّ بقعودهم، ويقعد حيث يُقْعِدونه.
واحفظ رجليك أن تمشي بهما إلى حرام أو تسعى إلى باب سلطان فالمشي إلى السلاطين الظَّلمة من غير ضرورة أو دهان. معصية؛ فإنه تواضع واكرام لهم، وقد أمر الله تعالى بالإعراض عنهم، وهو تكثير لسوادهم، وإعانة لهم على ظلمهم فإن كان ذلك سببًا لطلب مالهم، فهو سعي إلى حرام، وقد قال ﷺ: " من تواضع لغنىّ ذهب ثلثا دينه ". هذا في غنى صالح فما ظنك بالغنى الظالم.
زنا الجوارح:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: " العينان يزنيان وزناهما النظر، والقدمان يزنيان وزناهما السعي، والرجلان يزنيان وزناهما المشي، والفم يزنى وزناه القبلة، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ". وليعلم الإنسان أنه ما من خطوة إلا وتكتب إما حسنة وإما سيئة، وقد نهى عن السعي في غير حاجة، فعليك يا أخي بحبس حواسك، وسجن أعضائك، فإنها تعد عليك، وعد أنفاسك، وحاسب نفسك قبل يوم الحساب.
الخليفة المحاسب لنفسه:
1 / 8
قال عمر ﵁: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ". فإذا تجنبت أعضاءك، تسلم إن شاء الله تعالى من شرها، وأهمها النظر فإن آفته عظيمة، وفتنته جسيمة. قال ﷺ: " من أصاب من امرأة نظرة حراما ملأ عينيه نارًا يوم القيامة ثم يؤمر به إلى النار، ومن قدر عليها فتركها دخل الجنة ". وقال حاتم ﵀: زنا الرجل مع المرأة الصالحة ثلاثة أشياء: النظر، والكلام، والأخذ والعطاء. فإذا نظرت إليه، ونظر إليها، ووجد حلاوة ذلك، فهذا زنا العين، وإذا قال لها: يا أختي وقالت له: يا أخي ووجد حلاوة ذلك، فهذا زنا الكلام، وإذا أعطاها وأخذ فذلك زنا الأخذ والعطاء. وفي الحديث: " من حفظ ما بين لحييه، وبين رجليه، دخل ". وقال داود الطائي ﵀: " كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام ". وقال رسول الله ﷺ: " لا يَخْلُوَنّ رجل بامرأة - ليست بمحرم - إلا كان الشيطان ثالثهما ". رواه النسائي. وقال ﵊: " النظر إلى المرأة الحسناء سهم من سهام إبليس ". وعن أبي أمامة الباهلي ﵁ عن النبي ﷺ " من نظر إلى محاسن امرأة فغض بصره في أول مرة أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه ".
" فائدة ":
لمن يخاف على نفسه الفتنة!!: إذا نظرت إلى امرأة أو غيرها تخاف الفتنة على نفسك فولِّ وجهك، وقل: كما قال يوسف ﵇ حين رأى: " اعصمني اللهم برحمتك يا أرحم الراحمين ". لقوله تعالى: (لَوْلا أَن رَّأى بُرْهَانَ رَبِّهِ) الآية. قال أبو عبيدة في حديث النبي ﷺ: " المكاعمة والمكامعة " حدثنيه أبو النظر، عن الليث بن سعد، عن عباس بن عباس رفعه وقال: إنما " المكاعمه " بأن يلثم الرجل صاحبه، أُخذَ من كعم البعير، وهو أن يشد فمه إذا هاج، يقال منه: كعَمْتُه فجعل النبي ﷺ اللثام حين يلثمه بمنزلة الكعام. وأما قوله: " المكامعة " فهو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد، أُخذ من الكميع، والكميع هو الضجيج، ومنه قيل لزوج المرأة هو: " كميعها ". قال ﷺ: " لا يُفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا تُفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " رواه مسلم. وقال ﷺ في حق الأولاد: " مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ". هذا في حق الأخ مع أخيه. فكيف بأحمق جاهل، وحمقى مثله! يتواخيان في زعمهما، ويظنان أن ذلك مباح لهما، وربما يجعلان التواخي أصلًا في إباحة كل واحد منهما صاحبه، فيقول الرجل أختي، والشيخ أبنتي، فيستحلون ما حرم الله من ذلك، ويتعرضون لسخط الله بفعل ذلك، نسأل الله العصمة والتوفيق والهداية إلى الطريق بمنه وكرمه.
" فائدة "
حول التفريق في المضاجع: قال الحصني: إذا بلغ الصبي والصبية عشر سنين، وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه، وأخته وأخيه في المضاجع، لما في النصوص الواردة في ذلك، وأعظم من ذلك صحبة الأحداث.
صحبة الأحداث أقوى حبائل الشيطان:
1 / 9
قال الشيخ محمد المسعودي: قال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى: صحبة الأحداث أقوى حبائل الشيطان التي يصيد بها، وقد كان السلف الصالح يبالغون في الإعراض عن المُرْدِ، ولهذا روى مجاهد عن الشعبي قال: " قدم وفد عبد القيس على النبي ﷺ، وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة، فأقامه النبي ﷺ من بين يده، فأجلسه وراء ظهره "، فأبعده عن نظره، وليس هذا مما يفعله طائفة من فقراء البوادي، يجلسون الشباب خلف أظهرهم دائمًا على طريق العشرة والمخالطة - نعوذ بالله من ذلك - ومن فعل ذلك فقد ابتدع. إخواني إذا كان سيد البشر يحذر من النظر إلى الأمرد هذا الحذر، فما ظنك بأهل هذا الزمان في الخطرة قلوب مملوءة بالشهوات، وأبدان تغتذي بالشبهات والمحرمات، هل الفتنة فيها إلا أسرع من وقوع الذباب في العسل، وهل ينازع في ذلك إلا مَنْ في عقله خبل، فنسأل الله العافية. وقال أبو بكر محمد بن موسى الواسطي: " إذا أراد الله هوان عبد ألقاه إلى هذا الجيف " يريد بذلك تعلق القلب. وقال أبو الفرج: قال ابن المبارك: دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عليه غلام صبيح الوجه فقال: " أخرجوه أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطان، ومع كل غلام بضعة عشر شيطانًا ". وقال رسول الله ﷺ: " لا تجالسوا أبناء الملوك، فإن الأنفس تشتاق إليهم مالا تشتاق إلى الجواري العِتاق ". وعن أبي هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ: " لا تملئوا أعينكم من أبناء الملوك، فإن لهم فتنة أشد من العذارى ".
فصل
فيما ينبغي أن يكون عليه الصبي
ينبغي أن يكون الصبي كثير الحياء، قليل المخالطة للأجانب. وقال وهب بن منبه: إذا كان في الصبي خصلتان: الحياء، والرهبة رجي خيره. وقال عمر بن الخطاب: " ما أنا أخاف على عالم من سبعٍ ضارٍ، بأخوف عليه من غلام أمرد ". وقال الحسن بن ذكوان: " لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورًا كصور النساء، وهم أشد فتنة من العذارى ". وقال بعضهم: " الحوادث كلها من النظر ". وقال أبو علي الروزباري ﵀: قال لي أحمد المؤدب ﵀: قد رأينا من كان أقوى إيمانا من الصوفية، وإذا رأى الحدث قد أقبل يفر منه كفراره من الأسد!
فصل
في الخصال التي يجوز النظر إلى النساء وسماع صوتهن
الخصال المجيزة للنظر:
اعلم أن النظر إلى النساء عامدًا لا يجوز إلا بأربع خصال: عند إرادة التزويج، وعند الشهادة عليها، وإذا كن ذات محرم له مثل الأم، والأخت والخالة، والعمة، ونظر الزوج إلى الزوجة.
متى يجوز سماع صوتها:
ولا يجوز سماع صوتها إلا عند أشياء: في البيع، والشراء، والاستفتاء، والمحاكمة، والشهادة، والرواية.
حكم نظر الرجل إلى المرأة:
وقال الشيخ تقي الدين بن الحصني: ونظر الرحل إلى الأجنبية على سبعة أضرب: إحداها نظرة إلى أجنبية لغير حاجة، فهو غير جائز للرجال البالغ من الذكور، وكذا المرأة. وهي البالغة من الإناث، ثم إن النظر لا تدعو إليه الحاجة، وقد تدعو إليه الحاجة.
الضرب الأول: أن لا تمس إليه الحاجة وحينئذ فحرم نظر الرجل إلى عورة الأمة إن خاف فتنة، فإذا لم يخف فتنة خلاف الصحيح، التحريم قاله الاصطخري وأبو علي الطبري واختاره الشيخ أبو محمد، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والروياني ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج، وبأن النظر مَظِنّة الفتنة، وهو محرك الشهوة فالأليق بمحاسن الشرع سد هذا الباب، والإعراض عن تفاصيل الأحوال، كما تحرم الخلوة بالأجنبية، ويحتج له بعموم قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) .
حكم نظر المراهق:
1 / 10
وهل للمراهق النظر؟ وجهان أصحهما: أن نظره كنظر البالغ لظهوره على عورات النساء بمعنى أنه كالبالغ يجب على المرأة أن تحتجب منه كما أنه يلزمها الاحتجاب من المجبوب قطعًا وبلزم الولي أن يمنعه النظر كما يمنعه الزنا وسائر المحرمات. وأما حكم الممسوح: وهو الطَّوَاشي قال بعضهم: هو كالمجبوب فمنعه من النظر. واعلم أن من جُبَّ ذكره فقط، أو سلت خصيتاه فقط، والعنين، والشيخ الهرم حكمهم حكم الفحل على ما قاله الأكثرون. وأما مملوك المرأة وهو عبدها: فهو كالرجل الأجنبي فيحرم عليه النظر، ويحرم عليها، والاحتجاب منه مفروض، ولهذا لو لمسها ولمسته انتقض الوضوء قطعًا. قال النووي: قد صرح العمراني وغيره بأن الأمَة كالحرة، وهو مقتضى الخلاف بين كثيرين، وهو الراجح دليلًا، ولو كانت الحرة عجوزًا فألحقها الغزالي بالشابة. وقال: لأن الشهوة لا تنضبط، وهي محل الوطء قال القاضي حسين: العجائز اللاتي يكحلن الرجل يوم عاشوراء مرتكبات الحرام قاله الحصني في شرح أبي شجاع.
الضرب الثاني: نظره إلى زوجته وأمته فيجوز أن ينظر ما عدا الفرج منهما، فيجوز للرجل أن ينظر إلى جميع بدن زوجته، لأنه يجوز الاستمتاع بها وكذا الأمة في ذلك سواء كانت قِنة أو مدبرة أو مُسْتَوْلدة. واعلم أن نظر الزوجة إلى زوجها كنظره اليها.
الضرب الثالث: نظره إلى ذوات محارمه، أو أمته المزوجة، فيجوز فيما عدا السرة والركبة.
الضرب الرابع: النظر لأجل النكاح، فيجوز إلى الوجه والكفين، وقد تقدم أن النظر قد لا تدعو إليه الحاجة. وقد تمس إليه، وقد تقدم في الضرب الأول، والضرب الثاني ما تمس إليه الحاجة، والحاجة أمور منها: قصد النكاح، فإذا أراد الرجل أن يتزوج امرأةً رغب في نكاحها فلا شك في جواز النظر إليها، وهذا يستحب لقوله ﷺ للمغيرة: " انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما " رواه النسائي وابن ماجه، وحسنه والترمذي وابن حبان والحاكم وقال: على شرط الشيخين وغيره من الأخبار. ويجوز تكرير النظر، سواء نظر بإذنها أو بغير إذنها، فإن لم يتيسر له بعث امرأة تأملها وتصفها له؛ لأنه ﵇ بعث أم سليم إلى امرأة وقال: " انظري إلى عرقوبها وشمي معاطفها " ثم النظر إلى كفها ظهرًا وباطنًا ولا ينظر إلى غير ذلك، وفي وجه ينظر أليها نظر الرجل الى الرجل وهذا النظر يباح، ووقت النظر بعد العزم على نكاحها، وقبل الخطبة لئلا يتركها بعد الخطبة فيؤذيها، هذا هو الصحيح، وقيل ينظر حين يأذن في عقد النكاح، وقيل عند ركون كل واحد إلى صاحبه، وإذا نظر فلم تعجبه فليسك ولا يقول: لا أريدها لأنه إيذاء والله أعلم.
الضرب الخامس: النظر للمداواة إلى المواضع التي يحتاج أليها من مواضع الحاجة النظر إلى المرأة الأجنبية كاحتياجها إلى الفصد أو الحجامة أو معالجة ذلك لأن أم سليم رضى الله عنها استأذنت رسول الله ﷺ في الحجامة فأمر النبي ﷺ " أبا طيبة أن يحجمها " رواه مسلم. وليكن ذلك بحضرة مَحْرم، أو زوج حالة الخلوة، وبشرط أن لا يكون الطبيب ذِمّيًا مع وجود مسلم.
الضرب السادس: النظرة للشهادة والمكاتبة، فيجوز النظر إلى الوجه خاصة، ومن مواضع الحاجة: جواز النظر إلى ثدي المرضعة لأجل الشهادة على الرضاع، وكذا النظر إلى فرج الزانيين؛ لأجل الشهادة عليه، لأن الحاجة تدعو إلى ذلك.
الضرب السابع: النظر إلى الأمة عند ابتياعها، فيجوز النظر إلى المواضع التي يحتاج إليها في تقليبها من مواضع الحاجة والله أعلم.
تنبيه في بيان العورات وأحكامها
1 / 11
قال شيخنا: اعلم أن عورة الرجل من سرته إلى ركبته، وهذا حدّ عورة الرجل في حق الرجل، والمرأة في حق المرأة. وأما المرأة في حق الرجل الأجنبي: فكلها عورة إلاّ أن تكون أمة فحدّ عورتها في حق الرجل كحدّ عورة الرجل مع الرجل، إلاّ أنه يكره له النظر منها ما يحرم عليه في حق المرأة خوف الفتنة. وأما ذوات المحارم: فيجوز النظر منهن إلى ما جرت به العادة بظهوره كاليدين والقدمين وبعض الساق، وبعض الذراع وإنما عفى عن ذلك لأجل المشقة. وأما عورة المسلمة في حق الذمية: كعورة المرأة مع الرجل. الرجل وأما النظر إلى عورة الطفل إلى ما دون سبع سنين لا يثبت فيه حكم العورة وبهذا يجوز للمرأة تغسيله، وللرجل أن يُغَسّل الصبية إذا كان لها دون سبع سنين، ومما يتأكد غضّ البصر عنه - سيما في الحمام - الغلام الأمرد - سيما - الجميل الصورة. وقد قال النبي ﷺ لعلى كرم الله وجهه: " لا تُتْبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الأخرى " وقال: كتب إبراهيم بن أدهم إلى سفيان الثورى: " من أطلق نظَرة طال أسفُه، ومن أطلق أمله ساء عملُه، ومن أطلق لسانَه قتل نفسه. وقال ﷺ: " النظر إلى محاسن الأمرد سهم مسموم ". ويحرم على الولى تمكينه من الدخول مع الرجل أو الرجال الذين ليسوا بمحارم له، لأن الخلوة بالأمرد كالخلوة بالمرأة. كما ذكره النووي ﵀ في فتاويه وسواء ويحرم على الرجل والمرأة النظر إلى وجه الأمرد بشهوة ونظرها على الصحيح والمرأة يحرم عليها النظر إلى غير زوجها إلا أن يكن ممن يحل النظر إليه. ويحرم عليها أن تنظر من المرأة إلى ما بين سرتها وركبتها، والأصح تحريم نظرة الكافرة إلى بدن المسلمة، ويحرم على المسلمة التعري بحضرة الكتابية، ويحرم دخول الحمام مع الكتابيات والحربيات، فإن دخلت معهن سترت جميع بدنها إلا ما يبدو حال المهنة لا غير قال الإمام العلامة الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إن المرأة الفاسقة حكمها حكم الذِّمِّية في ذلك، فيحرص ولاة الأمر على منع الذميات والفاسقات من دخول الحمام مع المحصنات من المؤمنات، فإن تعذر ذلك لقلة مبالاة ولاة الأمور بإنكار ذلك فلتحرز المؤمنة الحرة من الكافرة والفاسقة. وعن قيس بن الحارث ﵁ قال: كتب عمر ﵁ إلى أبي عبيدة بن الجراح: أنه بلغني أن نساء المسلمين قِبَلَك يدخلن الحمامات مع نساء المشركين، فإنه نهى عن ذلك أشد النهى، فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يرى عورتها غير أهل دينها، وأن لا يرى شيء من جسدها غير الوجه والكفين خارج الحمام فقال أبو عبيدة - وهو غضبان - ولم يكن غضوبًا: " اللهم أيما امرأة دخلت الحمام من غير علة ولا سقم، تريد بذلك تبيض وجهها، لا بيض الله وجهها يوم تبيض الوجوه ". وأما الأمة فيحرم لغير وليها النظر إليها وساعد الحرة، وشعر رأسها، وشعر عانة الرجل وما أشبهها يحرم متصلا، وكذا منفصلا على الأصح، وعلى الأصح أيضًا، يحرم النظر إلى قُلاَمَةِ رِجْلِ المرأة دون قُلامة يدها، ويكره نظر الرجل والمرأة إلى فرج نفسه بلا حاجة. وأما نظر الزوجين إلى فرج الآخر: فيه وجهان: أحدهما تحريمه، وأحدهما يكره إلا " حلقة الدبر ". ويحرم على الرجل لمس فخذ الرجل بلا حائل، وكذا من فوق إزار إن خاف الفتنة. ويحرم مس كل ما جاز النظر إليه من المحارم، فلا يجوز للرجل أن يمس بطن أمه ولا ظهرها، ولا أن يغمز ساقها ولا رجلها، ولا أن يقبل وجهها، وكذا لا يجوز أن يأمر ابنته أو أخته بغمز رجليه ولا تُكَبِّسُه. وقال أبن الحاج: لا يجوز أن يجتمع مستور العورة مع مكشوف العورة تحت سقف واحد.
مواضع جواز كشف العورة:
واعلم أن كشف العورة لا يجوز إلا في أربعة مواضع: حالة الجماع تحت إزار، وحال قضاء الحاجة داخل الخلاء، ومستور العورة في الصحراء، أو حال الاغتسال مستترًا في خلوة وغيرها، ولو اغتسل مستور العورة جاز، وعند رؤية الطبيب. والتكشف جائز في هذه الحالات مدة الحاجة في جميع هذه الحالات، والزيادة على قدر الحاجة حرام على الأصح لأن ستر العورة في الخلوة واجب على الأصح ذكره النووي في شرح مسلم. ويحرم النظر بشهوة إلى غير الأمرد من الرجال والمحارم والشيوخ والعجائز.
النظر إلى بيوت الناس:
1 / 12
وأما النظر إلى بيوت الناس بغير إذنهم فحرام قال ﷺ: " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حلَّ لهم أن يفقئوا عينه ". أخرجه مسلم. وقال أيضًا: " لو أن رحلًا اطلع عليك بغير أذن فحذفته بحصاة ففقأت عينيه ما كان عليك جناح " متفق عليه.
فصل
في آداب دخول الصبيان الحمام
وأما دخول الصبيان الحمام بعضهم من بعضهم: فيحتمل أن يكون كدخول النساء بعضهن مع بعض، فيجوز. ويحتمل أن يكون كالرجال أيضًا، فيجوز. والأولى عدم اختلاطهم في الدخول خشية الفساد. وأما البالغ الممسوح فجوزه بعضهم، ومنعه بعضهم، وكذلك المجبوب الذي بقى أنثياه، والخصي الذي بقي ذكره، والعنين الذي عجز عن الجماع، والمخنث والشيخ الهرم، فجوز قوم نظر هؤلاء إلى نساء ومنعه آخرون. فأما الذي جوزه فقال: إنهم ليسوا من أولى الإربة. ومن منعه قال: لعموم قوله تعالى: (قًل لِّلمؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) الآية هذا هو الحق المفتى به. قال ابن الصباغ ﵀: لا يجوز للخصي أن ينظر إلى بدن المرأة الأجنبية إلا أن يكبر ويهرم، وتذهب شهوته، وكذلك المخنث، وتحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية سواء كانت في حمام أو في بيت أو في طريق. قال أبو زكريا النووي ﵀ في الروضة: الحكاية عن الأصحاب أنه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة واحدة، ويجوز أن يخلو رجل بامرأتين ثقتين، لأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل.
أحوال الخنثى المشكل:
وأما الخنثى المشكل فله أحوال: إحداها: أن يدخل مع المرأة الحمام وهذا حرام؛ لجواز كونه رجلًا وخلوته بها حرام.
ثانيها: أن يدخل مع رجلين أو رجال فيحرم أيضًا؛ لجواز كونه امرأة.
ثالثها: أن يدخل مع امرأتين أو نسوة وذلك جائز؛ لأن خلوة الرجل بنسوة جائز على الصحيح.
رابعها: أن يدخل الحمام مع خنثى، فيحرم لجواز كون أحدهما ذكرا والآخر أنثى.
خامسها: أن يكون مع خنثيين أو خناثى فيحرم.
تنبيهات: الأول: ما تكرر من الآي والأحاديث والفصول المتشابهة في هذا الكتاب فلفائدة زائدة أو منفعة عائدة.
الثاني: أن هذا الكتاب موضوع على سبيل الوعظ والإنذار فلا اعتراض إذا انتقل الكلام من مذهبه إلى مذهب غيره، لأن الكلام في الموعظة ليس الكلام بمقصور على مذهب المتكلم. وسئل شيخنا لم تتكلم في مذهب غيرك أو لم تخرج من مذهبك؟ فقال: إذا كان المتكلم في الموعظة فله أن يتكلم في الأربعة مذاهب، وإذا كان في درس فقه فلا يخرج عن مذهبه.
فصل
جامع في بيان السنة في كيفية أحوال تتعلق بالشباب والنساء في اجتماعهم في الأماكن الشريفة وغيرها، وما يؤمرون به ويُنْهَوْن عنه
اعلم أن السنة إذا حضر نساء وشباب في الصلاة سواء كان ذلك في مسجد أو غيره، أن يقف أهل العلم والشيوخ خلف الإمام لقوله ﷺ: " ليلني منكم أولو الأحلام والنُّهى " ثم عامة الناس خلفهم يمينًا وشمالًا، يقف الشباب خلفهم، ثم النساء خلف الشباب، فلو تقدم شابٌ أمام الرجال أمر بالتأخر خلفهم، كفعله ﷺ حيث أقام شابًا من بين يديه فأجلسه خلفه، ولم يكن ذلك في حال الصلاة فمن باب أولى في حقه التأخر في الصلاة والله أعلم. وأما الدليل على تأخير الشباب خلف الرجال في الصلاة فهو ما روي عن أنس بن مالك ﵁ أن جدته مليكة دعت رسول الله ﷺ إلى طعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلي لكم قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبث فنضحته بماء فقام عليه ﷺ فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين وانصرف ﷺ ". ولمسلم " أن رسول الله ﷺ صلى به وبأمه، فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا ". وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. والسنة في جلوسهم في حِلَق الذكر إذا حضر رجال وشباب فالسنة أن يتحلق الرجال، ثم يتحلق الشباب من خلفهم، وذلك أبعد للفتنة وأسلم للقلوب. وهو أدب في حق الشباب؛ وعلى الرجال غضّ أبصارهم عمن يقابلهم من الشباب وذلك شرط في الذكر.
السنة في اجتماعاتهم في المكاتب:
1 / 13
قال شيخنا ﵀ ينبغي للفقيه أن يتخذ مكانًا متسعا ًيعلم فيه القرآن، وأن يجلس للقراءة متطهرًا، وأن يرعى الأولاد بعين الرعاية لحديث " كل راع مسئول عن رعيته " ولا يدع الصبيان يختلطون بعضهم ببعض، إلاّ أن يُعَلّم بعضهم بعضًا، والسنة إن كان عنده نساء وصبيان أن يجلس كل منهما وحده ويفرق بعضهم عن بعض. قال مالك ﵀: أكره للمعلم تعليم النساء، فإن علمهن لم يدعهن يقعدن مع الصبيان، خشية أن يفسدن، وينبغي للمعلم إن كان في مسجد أو غيره أن يكون أمينا عفيفا، تقيًا صينًا متزوجًا، ولا ينظر إلى صبي من غير حاجة، فإن نظر إليه بغير حاجة حرم عليه ذلك، ويحرم مسه وإذا خاف المعلم على نفسه الفتنه جعل الصبي خلفه وعلمه. قال: كان أبو حنيفة ﵀ يُجِلسُ " محمد بن الحسن " خلفه ثم يعلمه خوفًا من الفتنة واتباعًا للسنة. ولا يمكن العريف أن ينعزل بصبي في مكان وحده بسبب التعلم بل يجلسوا جميعًا بحضرة الفقيه، ولا يأذن لصبيين يخرجان لقضاء الحاجة بل واحدًا بعد واحد، وإذا رأى أثنين مجتمعين من غير ضرورة يفرق بينهما بعد أن يُخِيفَهما وينهاهما ويعلمهما ما يحتاجان إليه من أمر الدين، ويمنعهما من محو القرآن بالبصاق. والسنة أن يجعل لهم وعاء فيه ماء يمسحون فيه ألواحهم، فإذا اسْوَدّ أمرهم أن يَصُبُّوه في البحر الجاري. وكان فقيهنا - رحمة الله عليه - يأمرنا بذلك فإن لم يكن هناك بحر ولا نهر أمرهم أن يحفروا حُفيرة في الأرض ويصبوا الماء فيها، ولا ينبغي للمعلم أن يُعلم البنت " سورة يوسف ". وروى أن النبي ﷺ قال: " علموهن الغَزْل، ولا تُسكنوهن الغُرف، ولا تعلموهن الخط ". رواه البزار.
فصل
فيما يباح للفقيه من ضرب الصبي
قال العلماء ﵏: يجوز للفقيه الضرب بشروط: الأول: أن لا يكون بشيء يجرح الجسم.
الثاني: أن لا يكسر العظم.
الثالث: أن ينفع الضرب ويفيد، فإن لم يفد لم يجز الضرب.
الرابع: أن لا يزجر بدون الضرب من التخويف والتهديد ونحوه، ولا يحل التعزيرُ بالعض؛ لأنه لا يباح في صورة من الصور إلا عند الضرورة.
الخامس: أن لا يكون الضرب في الوجه.
السادس: أن لا يكون في مقتل.
السابع: أن يكون لمصلحة الصبي، فإن أدبه الولي لمصلحته، أو الفقيه لمصلحة دون مصلحة الصغير لم يجز، لأنه يحرم استعماله في حوائجه التي يفوت بها مصالح الصبي.
الثامن: أن يكون بعد التمييز، والتمييز لسبع سنين غالبًا، وقد يكون قبل ذلك وقد يتأخر، والمدار على فهم الخطاب ورد الجواب وإتيان الخلاء للبول والغائط، وستر العورة فمتى وجد منه ذلك ميز. وإذا بلغ عشر سنين وجب ضربه على الصلاة. والسنة في طلوعهم المنار للأذان إذا كان منهم مؤذن، فالسنة أن لا يمكن الشباب من طلوع المِئذَنة مع رجل واحد فيحرم الخلوة بالأمرد كما تحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية. ولا مع رجلين إلا أن يكون وحدة فُيؤذن له بالصعود إلى المنارة، فإن خلوته بالرجلين حرام كخلوة الرجلين بالمرأة وذلك أيضًا حرام. قال شيخنا في رسالة النور: يحرم على ولي الصبي تمكينه من الخلوة برجل أو رجال ليسوا له بمحارم، كما يحرم عليه تمكينه من دخول الحمام مع الرجل أو الرجال ليسوا له بمحارم، لأن الخلوة بالأمرد كالخلوة بالمرأة كما ذكر النووي في فتاويه، وقيد تحريم النظر في كتابه " الرياض والتبيان " بما إذا كان حسنًا.
قال بعضهم سيما إذا كان سمينًا، أو من صبيان هذا الزمان على العموم من تُرْكٍ وعَرَبٍ وحَضَرٍ وغيرهم، فأما إذا كان جمع من الشباب لهم عادة بصعود المئذنة بقصد الأذان، فيجوز - مع أمن المفسدة - لبعضهم بعضًا، فإن لم تؤمن المفسدة منعوا من الطلوع، ويقاس دخولهم الحمام كذلك.
دخول الصبيان الحمام مع بعضهم بعض:
قال شيخنا: وأما دخول الصبيان الحمام مع بعضهم بعض: يحتمل أن يكون كدخول النساء بعضهن مع بعض، فيجوز ويحتمل أن يكون كالرجال أيضًا فيجوز والأولى عدم اختلاط الصبيان في الدخول؛ لأن في الغالب وقوع المفسدة بينهم، فإذا تحقق ذلك منعوا. ويحرم على الولي تمكين الصبي من الدخول مع الرجال الأجانب والله أعلم.
بيان ما في دخول الحمام من المصالح والمفاسد وما يكره للرجال، وما يحرم في حق النساء إلا لضرورة!
1 / 14
قال شيخنا رحمة الله عليه: ذكر الحافظ أبو نعيم في كتاب الطب النبوي عن طاوس عن ابن عباس ﵄ قال ﵊: " اتقوا بيتا يقال له الحمام " قالوا: يا رسول الله إنه يذهب بالدرن وينفع المريض قال: " فمن دخله فليستتر ". واعلم أن من أعظم المفاسد التي توجب اللعن دخول الحمام بلا مئزر ففي الحديث: " لعن الله الناظر والمنظور ". وعن عائشة ﵂ قالت: " نهى رسول الله ﷺ الرجال والنساء من الحمامات. ثم رخص للرجال أن يدخلوها في المآزر ". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم. قال العلماء هذا إذا دخله لإزالة الأوساخ والتنظيف ونحوه، فإذا دخله من غير حاجة بل يقصد الترفه والتزيين للأغراض الدنيوية.
قال شيخنا: فظاهر كلام الغزالي في الإحياء وأبي بكر السمعاني أنه مكروه. روى عن علي وابن عمر ﵄: " بئس البيت الحمام يبدي العورة ويذهب الحياء ". وروى الإمام أحمد بسنده إلى عمر بن الخطاب ﵁ قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام ".
فصل
في منع النساء من دخول الحمام
1 / 15
روى الإمام أحمد ﵀ عن عائشة ﵂ قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: " أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها فيما بينها وبين الله ". وهذا إسناده صحيح. وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي أيوب الأنصاري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا تدخل الحمام ". فهذه الآثار كلها تدل على منع إباحة الحمام للرجال دون النساء. قال شيخنا: قال الشيخ شهاب الدين بن العماد: إن دخول الحمام قد يعرض وجوبه في بعض الأحوال وذلك الدخول للغسل من الجنابة، والحيض، والنفاس، حيث يتعذر الغسل خارجه لسبب من الأسباب. وقد يعرض استحبابه كما إذا دخل لغسل مندوب كغسله للعيدين والجمعة وغيرها، أو لإزالة وسخ يتأذى به إلى حد يمنع الخشوع في الصلاة ولم يمكنه الاغتسال خارجه أو داخله لأجل تشف من مرض أو أذى. وقد تعرض كراهته كما إذا دخله لغرض فاسد كما سبق، أو دخله بين المغرب والعشاء، أو قبل الغروب، أو دخله وهو صائم، أو دخله وفيه مبتلى. وقد تعرض له الكراهة من جهة الطب لحمى به، أو مرض، أو ورم، أو أخلاط، أو دخله وهو شبعان قبل هضم الطعام. وقد تعرض له الحرمة كما إذا دخل مكشوف العورة، أو دخله من لا يستر عورته، أو أداة الدخول إلى خلوة محرمة كالخلوة بالأمرد الحسن فيحرم الدخول بسبب هذه الأسباب. وأما بيان إباحة دخولها للنساء بعد نهيهن عنها فقد اختلفت أقوال الصحابة ﵃ في إباحة الدخول لهن، إحداها: الجواز مطلقًا وهو قول أبي الدرداء وابن عباس وغيرهما. القول الثاني: المنع مطلقًا وهذا يحكى عن ابن عمر روى عنه أنه قال: " الحمام من النعيم الذي أحدثوا " فهذا يقتضي تركه أولى. والثالث: المنع إلا لمريضة، أونفساء وهذا يروى عن ابن عمر ﵄ أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه: " إنكم ستفتحون أرض العجم، وفيها بيوت تدعى " الحمامات " وهو حرام على رجال أمتي إلا بإزار، وعلى نساء أمتي إلا نفساء أو سقيمة ". رواه أبو داود وغيره. ونقل الروياني عن أبي هريرة ﵁ أنه قال: يحرم عليهن الدخول مطلقًا إلا لضرورة. قال صاحب الفايق في اللفظ الرايق عن النبي ﷺ قال: " سيكون بعدي حمامات ولا خير في الحمامات للنساء ".وروى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: " بيت بالشام لا يحل للمؤمنين أن يدخلوه إلا بمئزر، ولا يحل للمؤمنات أن تدخلنه أَلْبَتَّة " فإن دعته ضرورة جاز الدخول. قال الغزالي ﵀: وحينئذ تدخل بمئزر سابغ. القول الرابع: منع النساء مطلقًا دون الرجال بالإزار. وعن ابن مسعود ﵁ أن النبي ﷺ قال: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من ربها إذ هي في قعر بيتها ". رواه ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه وغيرهما. وصحح البغوي في الروضة جواز الدخول للمرأة مطلقًا مع الكراهة.
1 / 16
قال الشيخ شهاب الدين بن العماد على القول بجواز الدخول مطلقًا: وإنما يباح لها الدخول بشروط إحداها: أن يأذن لها الزوج في ذلك فإن لم يأذن لها الزوج حرم عليها الدخول. قال: ويكره للزوج أن يأذن لها فيه. قال الغزالي ﵀ في الإحياء: ويكره له أن يدفع لها الأجرة، لأنه يعينها على المكروه هذا إذا قصدت دخولها الترفه، فإن دعت ضرورتها لدخولها لغسل من حيض أو نفاس أو جنابة أو وسخ، ولم يمكنها الغسل خارجه وجب عليه تمكينها من الدخول، وينبغي للقادر الحازم أن يخلى لها خلوة من نسوة ثقاة ودخولها ليلًا أفضل، وقد ذكر ذلك جماعة من السلف، وإذا أرادت دخولها لحيض أو نحوه مما لا بد لها منه تقصد بذلك النية من بيتها حتى يصير سعيها له عبادة. الشرط الثاني: أن لا يختلط النساء بالرجال الأجانب. الشرط الثالث: أن لا يدخلن إلا بمئزر سابغ من ظهور البشرة كسترة الصلاة ويشترك في ذلك الرجال والنساء على الأصح؛ لأن الله تعالى أحق أن يُستحى منه، فتجب السترة حتى لا يراه الله تعالى تاركًا أدبه وما أمره به، ولو أدخل الولي صبيًا الحمام وجب عليه ستره وكذا الصبية إن بلغا حد الشهوة. الشرط الرابع: أن لا يدخلن الحمام إلا مع نسوة مسلمين ولو دخلت امرأة مع نسوة كتابيات أو حربيات فوجهان: أصحهما في الشرح والروضة في كتاب النكاح والجزية: التحريم.
فصل
فيما يحصل للمرأة من المفاسد في خروجها
وما يحصل لها من الوزر
قال شيخنا: وفي مسند الإمام أحمد ﵁ أن النبي ﷺ قال: " أيما امرأة تطيبت ثم خرجت إلى الطريق فهي زانية ". وقالت عائشة ﵂: " لو أدرك النبي ﷺ ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل ". متفق عليه. فهذا قولها في نساء زمانها فكيف لو رأت نساء زماننا، ولكن نسأل الله لنا ولهن العفو والعافية ولأمة محمد أجمعين.
مفاسد إتيان النساء الحمامات:
قال بعضهم: يترتب في إتيان النساء إلى الحمام مفاسد كثيرة منها: ترك الصلاة في وقتها. ومنها: إظهار الزينة التي أمرت بإخفائها عن الأجانب، وإظهارها للزوج. ومنها: التشويش على الرجال بما يظهر من تحت الإزار من الحلي والقماش الملون. ومنها: مشيها متمايلة. ومنها: إظهار رائحة الطيب ونحو ذلك من الفضائح التي تفعلها نساء بعض هذا الزمان فإن ذلك مما يفتح طرق الشيطان ويتأذى به كثير من الناس. وعن معاذ بن جبل ﵁ قال: أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام، وعصب اليمن فأَنْعَبْنَ الغنىّ، وكلفن الفقير ما لا يجد. رواه أحمد. وعن أبي أمامة ﵁ أن النبي ﷺ قال: إن إبليس - لعنه الله - لما أهبط إلى الأرض قال: رب اجعل لي بيتًا. قال: الحمام. قال: فاجعل لي مجلسًا. قال: الأسواق ومجامع الطرق. قال: فاجعل لي مصايد. قال: النساء. ". وفي الصحيح من حديث أسامة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ". وفي صحيح مسلم: " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ". وعن ابن مسعود ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: " إذا خرجت المرأة استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون المرأة من ربها إذا هي في قعر بيتها ". رواه أبو داود والترمذي. ومن المفاسد المترتبة على دخول الحمام: أن المرأة المفسدة قد لا تتمكن من فعل ما تريد إلا بحجة الحمام فإن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان كما قال الله تعالى: (إن كيدكن عظيم) وقال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني اعص النساء في المعروف حتى لا يأتينك بالمنكر، واتق شرارهن، وكن مع خيارهن على حذر فإنهن لا يسارعن إلى خير بل هن إلى الشر أسرع. نسأل الله العافية بمنه وكرمه.
فصل
آداب وأحكام داخل الحمام
ويحترز داخل الحمام من النظر إلى الأبدان فإن نظرة إليها بشهوة حرام عليه، وسواء في ذلك بدن الأمرد والملتحي، وسواء في ذلك الوجه وغيره. ويحرم لمس جميع البدن بشهوة، ويجب إنكار ما يراه مخالفًا للسنة بيده أو بلسانه أو بقلبه كما ورد في الحديث الصحيح المشهور.
استتر سترك الله:
1 / 17
وينبغي أن يأمر برفق ويقول للمكشوف العورة: استتر سترك الله، ويقول له: كشف العورة حرام. ومن دخل الحمام بغير سترة فسق، ولا تقبل شهادته سواء كان رجلًا أو امرأة، وكذا إذا دخل بسترة ثم نزعها بحضرة الناس، وجلس عريانا يغتسل بالسدر ونحوه، فذلك فسق مسقط الشهادة. وإذا رأى عاريا بغير سترة يرجع أو يطرح بصره إلى الأرض ويستقبل الحائط كما فعله ابن عمر ﵄.
واجب المسلم عند دخول الحمام:
قال سفيان بن عيينة ﵀: كانوا يستحبون إذا دخلوا الحمام أن يقولوا: يا بُّر، يا رحيم، مُنَّ علينا، وقنا عذاب السموم. وعن ابن عمر ﵄ أنه لما دخل الحمام وضع يده في الحوض وقال: بسم الله نعم البيت الحمام لمن أراد أن يتذكر، وبئس البيت الحمام لمن نزع الله منه الحياء. ويقول عند ازدحام الناس واشتغالهم بهرجهم: اللهم إني أسألك الأمن من هول يوم القيامة.
فصل
في النهي عن استعمال الطين في الحمام
قال صاحب الإلمام: إذا دخل المغتسل إلى الحمام للغسل من الجنابة أو الحيض أو النفاس أو لاتساخ رأسه أو بدنه أو للتداوي له أن يغتسل بالسدر أو الخِطْمِىّ وليحذر من استعمال الطين داخل الحمام أو خارجه فقد روي عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " من غسل رأسه بالطين فإنما غسل بلحمه، ومن أكل الطين أكل لحمه ". وعن سلمان عن النبي ﷺ: " من أكل الطين أعان على قتل نفسه ". وعن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: " لا تأكلي الطين فإنه يغير اللون، ويعظم البطن ويعين على القتل ".
فصل
في النهي عن كشف العورة في الحمام
والنهي عن تمكين الغير من مسها
قال شيخنا ﵀: يحرم عليه أن يمكن غيره من غسل عورته بل يتولى غسلها بنفسه وليحذر ما يفعله بعض الفسقة المتساهلين في ذلك ممن يمكن البلان من حلق عانته وهذا لا يستعمله إلا من استكملت فيه جميع خصال الدناءة والرذالة، ولا يحل لرجل ولا خنثى دلك بدن امرأة، ولا خنثى دلك بدن رجل لجواز كونه امرأة، والأمرد الحسن هو في هذا كالمرأة، ولا بأس بما جرت به العادة في دلك البلان أو غيره ظهره وإخراج الوسخ بالكف ونحو ذلك إذا لم ينظر إلى العورة أو يمسها. وروى أنس مرفوعًا إلى موسى بن عمران ﵇: كان إذا اغتسل لم يلق ثوبه حتى يواري عورته بالماء. وفي الحديث عنه ﷺ: " إن للماء عوامر من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم وهابوهم وأكرموهم إذ دخلتم الماء فلا تدخلوا إلا بمئزر ".
وقال النووي رحمة الله عليه: كان أبو بكر السمعاني ﵀ إذا دخل الحمام فرأى عاريًا رجع، وذكر أنه يحرم الجلوس بين الخائضين في الفتنة. وروى عن نافع عن ابن عمر ﵄ أنه دخل الحمام وعليه إزار فلما وصل إذا هو بهم عراة قال: فجعل وجهه نحو الجدار ثم قال: ائتني بثوبي يا نافع فأتيته به فألتف به وغطى على وجهه ثم ناولني يده فقدته حتى خرج منه ثم لم يدخله بعد ذلك. فقيل له بعد ذلك إنك تستتر فقال: إني أكره أرى عورة غيري. وعن سلمان الفارسي ﵁ أنه قال: لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت، احب إلي من أن أرى عورة الرجل أو يراها مني. وقد امتنع ابن عمر من دخول الحمام لهذا السبب. وأسند الخرائطي عن صالح الدهان قال: دخل جابر بن زيد الحمام فرأى قومًا عراة فقال: سبحان الله أمسلمون هولاء؟ ثم وضع يده على عينيه وخرج ﵁ ورضى عنا بهم - هكذا كان حال السلف الصالح أصحاب القلوب المنيرة التبعة للسنة إذا رأى أحدهم منكرًا انزعج قلبه وفر كالحيوان الحذور. وفي شعب الإيمان للبيهقي ﵀ أن ابن المبارك ﵁ كان إذا خرج من الحمام صلى ركعتين لما غشاه ووقع بصره عليه. والله الموفق والمعين.
فصل
في الاحتراز عن النظر إلى ما يُلْهي
1 / 18
قال النووي في التبيان: ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدل الذهن، وأقبح من هذا النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه كالأمرد وغيره، فأما النظر إلى الأمرد الحسن من غير حاجة حرام سواء كان بشهوة أو بغيرها سواء أمن الفتنه أم لم يأمنها هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء وقد نص على تحريمه الإمام الشافعي ﵁ ومن لا يحصر من العلماء ﵃ أجمعين. ودليله قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) . كأنه في معنى المرأة، بل ربما كان بعضهم أو كثير منهم أحسن من كثير من النساء، ويتمكن من أسباب الريبة فيه، ويسهل من طرق الشر في حقه مالا يتسهل في حق المرأة فكان تحريمه أولى والأقاويل في التنفير منهم أكثر من أن تحصى.
انسلخ لحم وجهي من أجل نظرة!
وروى عن بعض السلف أنه رأى بعض الموتى في النوم مما كان يعتقده بالخير فسأله عن حاله فقال له: انسلخ لحم وجهي لما وقفت بين يدي الله تعالى حياء منه من أجل نظرة نظرتها إلى شاب. وأما النظر بشهوة إلى كل أحد رجلًا كان أو امرأة محرمة كانت المرأة أو غيرها ألا الزوجة والمملوكة التي تملك للاستمتاع بها حتى قال أصحابنا: يحرم النظر بشهوة إلى محارمه كابنته والله أعلم.
حكم دخول الصبيان المسجد:
وأما حكم دخول الصبيان المسجد، قال شيخنا: قال البغدادي: قال المتولي: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذي لا يميزون المسجد لأنه لا يؤمن تلويثهم إياه. وأما تعليمهم القرآن في المسجد فإن كان ذلك على وجه يؤدي إلى انتهاك حرمته، وقلة احترامه، والتشويش على المصلي، والبصق عليه، منع وإلا فلا وقد كان ابن مسعود ﵁ يقرأ القرآن في المسجد وهو جاث على ركبتيه.
رأي الإمام مالك في تعليم الصبيان في المسجد:
وسئل مالك عن تعليم الصبيان في المسجد قال: لا أرى ذلك يجوز؛ لأن المساجد لم تبنَ لذلك فعلى ذلك يمتنع الصبيان من دخول المساجد لغير حاجة كما إذا دخلوا للعب واللهو أو ارتفعت أصواتهم وامتهانتهم المسجد وما أشبه ذلك.
فصل
في الآفات الداخلة على الفقراء من مخالطة الأحداث
قال أبو الفرج ﵀: اعلم أن أكثر المتشبهين بالصوفية قد سدوا على أنفسهم باب النظر إلى النساء الأجانب لبعدهم عن مصاحبتهن، وامتناعهم عن مخالطتهن، واشتغلوا بالزهد عن النكاح وانتفت صحبة الأحداث لهم على وجه الإرادة وقصد الزهادة فأمالهم إبليس إليها وهم في صحبتهم على سبعة أقسام: الأول: أخبث الناس وهم ناس يتشبهون بالصوفية ويقولون بالحلول، قال أبو نصر عبد الله بن علي السراج: بلغني أن جماعة من الحلولية زعموا أن الحق اصطفى أجسامًا حل فيها معاني الربوبية.
القسم الثاني: قوم يتشبهون بالصوفية في مذهبهم ويقصدون العشق.
القسم الثالث: قوم يُبيحون النظر إلى المستحسن.
وقد صنف أبو عبد الرحمن السلمى كتابًا سماه سنن الصوفية فقال في آخر الكتاب: باب في جوامع رخصهم وذكر فيه ما روى عن النبي ﷺ أنه قال: " اطلبوا الخير عند حسان الوجوه " وأنه قال: " ثلاث يُجلين البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء، والنظر إلى الوجه الحسن " وهذان الحديثان لا أصل لهما عن رسول الله ﷺ.
أما الحديث الأول فقال فيه ابن معين: محمد بن عبد الرحمن بن المحب الذي يرويه عن نافع عن ابن عمر ليس بشيء، وقال العقيلى: لا يثبت عن رسول الله ﷺ في هذا شيء.
وأما الحديث الثاني: فموضوع وضعه أبو البختري. فحديث وهب بن وهب حدث به عن الرشيد لما أدمن النظر إلى ابنه، ولا يختلف العلماء في أن أبا البختري وضاع كذاب وأحمد بن عمر عبد الزنجاني، ولا يختلف العلماء في أن أبا البختري أحد المجهولين، ثم قال: كان ينبغي للسلمى إذا ذكر النظر إلى المستحسن أن يقيده بالنظر إلى وجه الزوجة أو المملوكة فأما إطلاقه فحينئذ سواء. قال أبو الفرج ﵀: والفقهاء يقولون: من ثارت شهوته عند النظر إلى " الأمرد " حرم عليه أن ينظر إليه وإن كان من عادة المعلمين ثوران الشهوة عند النظر إلى الصبي فيحرم حينئذ النظر إليه، ومتى ادعى الإنسان أنه لا تثور شهوته عند النظر إلى الأمرد الحسن فهو كاذب.
1 / 19
القسم الرابع: قوم يقولون: نحن لا ننظر نظر شهوة وإنما ننظر نظر اعتبار ولا يضرنا النظر، وهذا محال منهم فإن الطباع تتساوى فمن ادعى تمييزه عن أبناء جنسه في الطبع ادعى المحال كما تقدم.
القسم الخامس: قوم صحبوا المردان ومنعوا أنفسهم من الفواحش يعتقدون ذلك مجاهدة وما علموا أن أن نفس صحبتهم والنظر إليهم بشهوة معصية.
القسم السادس: قوم لم يقصدوا صحبة المردان وإنما يتوب الصبي ويتزهد ويصحبهم على طريق الإرادة فيلبس عليهم إبليس ويقول: لا تمنعوه من الخير، ثم يتكرر نظرهم إليه لا عن قصد فيثير في القلب الفتنة ويتمنى إلى أن ينال الشيطان قدر ما يمكنه، وربما وثقوا بدينهم فاستفزهم الشيطان ورقاهم إلى أقصى المعاصي كما فعل برصيص وغلطهم من جهة تعرضهم للفتن في صحبة من لا يؤمن من الفتنة في صحبته.
استلحاق نقله شيخنا عن عبد الله بن عطاء ﵀ قال: وعليك أيها المؤمن بغض بصرك في خروجك إلى أن ترجع ولتذكر قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) الآية. ولا تكن لنعمة الله كفورا، وأمانة من الله عنده فلا تكن له خائنا وليذكر قوله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى) . فإذا أردت أن ترى فاعلم أنه يرى وليعلم العبد أنه إذا غض بصره فتح الله بصيرته جزاء وِفاقًا فمن ضيق على نفسه في دائرة الشهادة وسع الله عليه في دائرة الغيب. وقال: ما غض أحد بصره عن محارم الله إلا وأوجد الله نورا ًفي قلبه يجد حلاوة ذلك.
القسم السابع: قوم علموا أن صحبة المرد والنظر إليهم لا تجوز غير أنهم لم يصبروا عن ذلك. قال أبو بكر الرازي ﵀: سمعت يوسف بن الحسين يقول: كل ما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث فإنها أفتن الفتن؛ ولقد عاهدت ربي أكثر من مائة مرة أن لا أصحب حدثًا.
فصل
في الردّ على طائفة من الناس وكشف فضائحهم
قال ابن الحاج في المدخل: قد ينسب إلى طائفة من الناس صحبة المرد وربما زينوهم بالحلي، ومصبغات الثياب، ويزعمون أنهم يقصدون بذلك الاستدلال بالصنعة على الصانع.
قال الشيخ الأستاذ القشيري قولًا عظيمًا في الرد عليهم وكشف فضائحهم قال: من ابتلاه الله بشيء من ذلك فهو عبد أهانه الله، وخذله وكشف عورته، وأبدى سوءته في العاجل، وله عند الله تعالى سوء المنقلب في الآجل. وقال الواسطي، وهو من كبار الصوفية: إذا أراد الله هوان عبد ألقاه إلى هولاء الأنتان الجيف، أو لم يسمعوا إلى قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) وقال عطاء: كل نظرة يهواها القلب لا خير فيها.
فصل
في مكائد الشيطان
1 / 20