Le sionisme mondial
الصهيونية العالمية
Genres
الفصل الثاني والعشرون
الاستعمار الصهيوني
حديثنا هنا عن الصهيونية المستعمرة. واليهودية كلها لم تقم لها دولة في العالم منذ أكثر من سبعة وعشرين قرنا، فلم تكن قط في عداد المستعمرين بقوة حكومتها وجيشها، وإنما كان عملها في الاستعمار أنها تستتر وراءه، وتمهد له، وتعتمد عليه في الاستغلال وامتصاص دماء الشعوب.
ولكنها دخلت في عداد المستعمرين منذ ابتليت فلسطين بتلك العصابة التي تسمى دولة إسرائيل، فلا وجود لها - ولا يتأتى أن تبقى في الوجود - إلا إذا عاشت على استغلال الشعوب من حولها، وليس من حولها شعوب تطمع في استغلالها غير الشعوب العربية.
إننا نسمع عن التوازن بين إسرائيل والعرب، ونعلم أن هذا التوازن يقضي بحرمان العرب من كل قوة حربية تزيد على قوة إسرائيل، أي يقضي بحرمان خمسين مليونا أن تزيد قوتهم على قوة مليونين اثنين على أكبر تقدير.
وإذا تساوى العرب وإسرائيل في القوة الحربية، فمعنى ذلك أن إسرائيل أقوى من العرب جميعا. لأنها تتصرف في قوة واحدة بإرادة واحدة، ولها بذلك فرصة أسرع على الأقل من فرص العرب مجتمعين.
لكن الواقع أن الموازنة الحربية ليست كل ما هنالك، وأن الموازنة الحربية لا تهم إسرائيل بمقدار ما تهمها القوة الصناعية والاقتصادية، وهي التي تجعلها قوة مستعمرة أخطر من جميع المستعمرين، لأنها لا تعيش بغير الاستعمار، ولا تجد لها مجالا للاستعمار غير البلاد العربية.
إن الموازنة الحربية لا تهم إسرائيل، ولا تعتقد هي أن بقاءها متوقف عليها، لأن في العالم أمما كثيرة لم تعتمد على الأسلحة الحربية في البقاء، وإسرائيل بصفة خاصة تعتقد أن الذين خلقوها سيبادرون إلى نصرتها ومعونتها إذا تعرضت للهزيمة في ميدان القتال، وقد تعرضت لها قبل بضع سنوات، فلم تنج من الهزيمة بفضل سلاحها وجندها، بل بفضل الدولة المتألبة لحمايتها وخذلان العرب في ميدان القتال وفي ميدان السياسة.
فالموازنة الحربية بين إسرائيل والعرب معناها رجحان إسرائيل على العرب مجتمعين، ولكنها - أي الموازنة الحربية - مع ذلك لا تهم إسرائيل كما تهمها قوة الصناعة والاقتصاد، لأنها تعيش بغير موازنة في السلاح، ولن تعيش بمواردها زمنا طويلا إلا إذا تفوقت على العرب في ميادين الصناعة والاقتصاد.
إن إسرائيل لن تعيش إلا بوسيلة من وسيلتين، فإما أن تظل عالة على التبرعات والمعونة الخارجية بغير انقطاع، ولا تستطيع دولة أن تعتمد على هذا المورد في تدبير وسائل البقاء الطويل.
Page inconnue