والجواب: قد أجيب على هذا السؤال بأجوبة عدة، منها: أن هذا القرآن الذي يتحدى فصحاء العرب والعجم، وبلغاء الأمم بأنه معجز لا يبارى لا بد وأن يستكثر في آياته المجازات والاستعارات والكنايات والمحاسن البديعية صيانة لروعة إيجازه وإعجازه فتنقلب إلى المتشابهات. كما أنه كتاب أممي ومعلم عالمي له تلاميذ من كل جيل، وله قرآء من كل مكان وزمان، فهو مربي عقول متنوعة، ومغذي أذواق مختلفة وساقي حقول متفرقة، فلا بد له أن يعد لكل صنف طعاما، ولكل صنف كلاما، ولكل عقل علوما.
فالمتشابه إذا أتى لمصلحة كبيرة يعلمها الله تعالى.
أما العلامة محمد جواد مغنية (1) فقال ما نصه: أجيب على هذا السؤال بأجوبة عديدة أرجحها: أن دعوة القرآن موجهة إلى العالم والجاهل، والذكي والبليد، وإن من المعاني ما هو معروف ومألوف للجميع، ولا تحتاج معرفته إلى علم ودراسة ، فيكشف عنه بعبارة واضحة يفهمها كل مخاطب، ومنها عميق ودقيق لا يفهم إلا بعد الدرس والعلم، ولا يمكن فهمها من غير المؤهلات لذلك مهما كان التعبير.
فالواقع إذن هو الذي يحتم أن تكون بعض الآيات ظاهرة المعنى، دون البعض بالإضافة إلى أن الحكمة تستدعي أحيانا الإيهام كقوله تعالى على لسان نبيه: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}(2).
وهنا يبرز سؤال آخر: إن الله سبحانه وتعالى قد وصف كتابه بأن آياته كلها محكمة {كتاب أحكمت آياته}(3) كما وصفه بأنه متشابه {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} (4)، ووصفه في آية أخرى بأن بعضه محكم وبعضه متشابه {منه ءآيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}(5).
فكيف يمكن الجمع بين الآيات الثلاث؟
Page 16