فأطرق برهة وقد ظهرت عليه علائم الارتباك، ثم قال: ذلك لا يكون أبدا، وعلينا بذلك الإقرار خطر شديد؛ فإن أباك شديد المحافظة على الشرف، فلا آمن عليك منه إذا اعترفت له بما كان، وإذا صفح عنك فهو لا يشترك معنا بخداع أبي، ولكن متى علم الاثنان بارتباطنا الشرعي، وعلم أبي أن لا حل لذلك العقد فهو يصفح عني؛ لأني وحيده كما تعلمين، وله بي مبرة وإشفاق.
وكان ذلك جل ما تتوق إليه نفسي، وأنا أعتقد به الصلاح والإفراط في حبي، فقبلت بما اقترحه علي، وكتبت إلى أبي كتابا كادت تمحو سطوره دموعي، ثم سرت مع من عشقته نفسي في ليلة حالكة الأديم تكاد تكون أشد سوادا من حظي، فبلغنا مدينة ليلان بعد 8 أيام.
فاستأجر منزلا رحبا، وتعرف بأشراف ميلان الذين كان يقدمني إليهم كامرأته، فعاش فيها عيشة بذخ وإسراف كانت أعظم وسيلة لتقربه من أشراف تلك المدينة وحسن علائقه مع أعيانها.
وكنت دائما ألح عليه أن يكتب إلى أبي ويدعوه إلى المجيء إلينا، فكان يماطلني في ذلك إلى أن قال لي يوما: قد وصلني كتاب من أبيك وأبي يدلان على سخطهما علينا، فلا أستطيع الآن أن أكتب إلى أبيك في هذا الشأن، ولنصبر إلى أن تهدأ ثورة غضبهما.
فامتثلت لما أمر، وصبرت كما صبر، أما مسألة الزواج فكان يتجنب المباحثة فيها إلى أن أعياني الأمر، فكتبت إلى أبي رسائل جمة لم تصله واحدة منها؛ لأن أندريا كان يأخذها من الخادم كما علمت ذلك بعد حين.
ثم إني ألححت عليه يوما في طلب القران، فأخرج من جيبه كتابا، وأعطاني إياه وهو يقول: إن أبي قد طعن في السن، وهو سيموت عن قريب، فأتزوج بك.
أما الكتاب: فكان من أبيه، وهذا مفاده:
إنك مخطئ يا بني بإساءتك إلى تلك الصبية وإغرائها على الفرار معك، ولكني أؤمل أن لا تقترن بها، فإن بين نسبيكما ودرجتيكما بونا عظيما، وفوق ذلك فإني توفقت ووجدت لك عروسا موافقة، فأسرع بالعودة ودع تلك الفتاة تعود إلى منزل أبيها.
فسقط الكتاب من يدي مما نالني من الضعف، وقلت له: على ماذا عولت؟ - على أن ننتظر. - ماذا تنتظر؟ - موت أبي، فإني أعرف طباعه، فإذا عصيت له أمرا فهو يحرمني من إرثه لا محالة.
ثم تركني وانصرف ضاحكا كأن لم يكن شيء.
Page inconnue