تحاول جمالات التخفيف عنها، تقول لها إنها تذبل مثل زهرة لا يرويها إلا الإيمان، والمرض يأتي عبر الشيطان: كفاية يا جمالات أرجوك! - تحجبي تسلمي، لا تسمعي كلام إبليس، أنا كنت مثلك قبل أن يهديني الله، الإيمان حماية من الأمراض، الله يعاقبك في الدنيا وفي الآخرة، ولا علاج لك يا عزيزتي إلا بالحجاب.
خرجت جمالات إلى مكتبها، تسللت الفتاة إلى غرفتها تبحث عن زجاجة الحبوب المنومة، فوق المنضدة إلى جوار سريرها أدوية متعددة الأنواع، مكتوبة بحروف أجنبية مع الترجمة العربية ، حبوب طاردة للغازات، حبوب تمنع الحمل، حبوب مضادة للاكتئاب، مانعة للإمساك، مسهلة للهضم، حبوب السعادة ... أخيرا وقعت يدها على الحبوب المانعة للأرق، أخذت ثلاث حبات مع كوب ماء وسقطت في غيبوبة النوم. •••
أفاقت على صوت أناجيل، اليوم عيد سان جوردي، لا أحد يبقى في البيت، إنه يوم الحب، شربتا النبيذ فوق السطح تحت أشعة الشمس هبطتا السلالم حتى الدور الأرضي، الساعة الثانية عشر ظهرا، يولاندا جالسة في المطعم تلتهم صحن الباييلا الساخنة، تمثال أنتونيو لوبيز لا زال منتصبا داخل المعطف، عن يمينه قصر ضخم، له برجان عاليان، قمته تزينها التماثيل، ملائكة ونساء لهن أجنحة، أربعة أعمدة مستديرة ترتفع فوق المدخل، السلالم رخامية بيضاء، حروف كاتالانية منقوشة على الحجر:
correos y telegrafos ، تذكرت أن سميح ينتظر منها ردا على رسالته. - أريد أن أرسل فاكس إلى القاهرة يا أناجيل.
دخلتا إلى البناء الضخم، كتبت الفاكس بالقلم الأسود الجاف: «عزيزي سميح،
أشكرك على رسالتك الرقيقة، وعلى جهودك من أجل العثور لي على عمل لائق، لم أحصل هنا على أي عمل، لم أكتب شيئا في الرواية، سأعود إلى القاهرة بعد أن أضع مولودتي، سأعطيها اسمي واسم أمي، القانون هنا لا يفرق بين اسم الأب والأم، أغلب الأطفال يحملون أسماء أمهاتهم حتى رئيس الحكومة الجديد «زاباتيرو»، كلمة «زاباتيرو» هي اسم أمه يا سميح، أيأتي يوم في بلادنا يحمل فيه الرجل اسم أمه دون أن يشعر بالعار؟»
أمسكت أناجيل بيدها، سارتا تشقان الزحام في شارع الرامبلا، عيد سان جوردي هو عيد الحب، الأرض مفروشة بالزهور والكتب، يشتري الرجل زهرة حمراء، يهديها إلى المرأة التي يختارها من دون النساء، تشتري المرأة كتابا تختاره من دون الكتب، تهديه إلى الرجل الذي تختاره من دون رجال العالم، توقفت أناجيل أمام مكتبة بلاسا كاتالونيا، اشترت ديوان ماريا مارسيه مارسال، أهدته للفتاة مع الوردة الحمراء، هي اشترت ديوان شعر الخنساء باللغة العربية، أهدته لأناجيل مع وردة حمراء، أصبحت أناجيل تقرأ وتكتب بالعربية، كانت تعد دراسة مقارنة بين الشعر العربي والكاتالوني، في مجال الحب والحرية ، حفظت عن ظهر قلب قصائد الخنساء، تقول عنها الشاعرة العربية الحرة، لم تخضع لحكام في القبيلة أو زوج في الأسرة، أكثر ما أعجب أناجيل في التاريخ العربي القديم هو شجاعة النساء حتى الجاريات. - أتعرفين هذه الحكاية؟ - أي حكاية يا أناجيل؟ - دخلت على أمير المؤمنين جاريتان إحداهما جارية قديمة لديه والأخرى جديدة اشتراها حديثا، اشتعلت نار الغيرة بين الجاريتين، قالت الجارية القديمة: إن الله فضلني على تلك الأخرى بقوله «والسابقون الأولون»، ردت الجارية الجديدة: بل فضلني الله على القديمة بقوله «والآخرة خير لك من الأولى»، ضحك أمير المؤمنين واستلقى على قفاه من شدة الضحك، وأمر بالمساواة بين الجاريتين القديمة والجديدة، كما كان رسول الله يفعل.
ترن ضحكات أناجيل في أذنها، تتذكر ضحكات جمالات في بابها الثابت في الجريدة، تحت عنوان: «يا رب العالمين»:
بعد أن استمعت إلى بيان الحكومة في مجلس الشعب حول مشروع الخطة العامة للدولة والموازنة، وهي حكومة مجاهدة في سبيل الله من أجل الإصلاح على الطريقة الأمريكانية، لا أملك إلا أن أرفع كفي إلى السماء داعية المولى عز وجل أن يفرج عنا الغلاء الفاحش، ويأخذ إليه سبحانه وتعالى المتاجرين باللحوم الفاسدة والمبيدات السامة، والشركات المباعة، وعرق الشعب الكادح، والاستثمارات الوهمية، والشباب المهاجر، والجنيه المصري المنكمش خزيا أمام الدولار الفاحش، والآثار المنهوبة في الغرف المظلمة، ونواب القروض ومهربي البلايين، وطوابير النسوة أمام الطوابير، وفقاقيع الوعود المتبخرة في الهواء، يا رب العالمين يا أرحم الراحمين يا سميع يا كريم. - ومن هي جمالات؟ - شريكتي في البيت.
رمقتها أناجيل بنظرة متسائلة، كلمة «شريك البيت» تعني بالكاتالونية الزوج أو الزوجة، أو العشيقين دون عقد زواج، الأسرة عندنا لها شكل واحد يا أناجيل، رجل وامرأة يعيشان تحت سقف واحد، يجمعهما عقد زواج مكتوب مختوم، أما جمالات فهي صديقة تشاركني الشقة، تكتب بابا أسبوعيا في الصحافة، تنفس به عن غضبها، وهي مؤمنة بالله والرسول محمد بحسب المذهب السني، تغضب لأن المسلمين الشيعة يورثون البنت مثل الولد، ولأن المسلمين في الصين يصلون الظهر ست عشرة ركعة ، والمفروض أنها أربع ركعات، ما عدا صلاة الجمعة فهي ركعتان، وهي شديدة التمسك بالحجاب والوحدانية في أمور الدين، أما في أمور الدنيا فهي تؤمن بالتعددية.
Page inconnue